يداوم على الطهارة بالوضوء، ويحافظ على الأذكار والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلّم في غالب أوقاته، ويحيى الليالي المتبرَّكة بالصلاة والصدقة وصحبة العلماء والمشايخ في المسجد، وكان يحترز عن كلّ سوء ومكروه منذ نعومة أظفاره، لم يشرب الخمر قطّ، ولم يقارب امرأة لا تحلّ له.
وكان لا يستمع الغناء بالمزامير منذ جلس على سرير الملك، مع أنه كان ماهرا بالإيقاع والنغم، وما كان أن يلبس الملبوسات غير المشروعة، وما كان أن يأكل في الظروف الذهبية والفضّية، وأمر أن يصاغ الجواهر الثمينة في الحجر اليشب مقام الذهب، ونهى الأمراء أن يلبسوا الغير المشروع، وكان يمنعهم أن يتذاكروا بين يديه بكذب وغيبة وقول الزور، وأمرهم أن يعبروا عن الأمور المستكرهة إن وقع لهم حاجة إلى ذلك بكناية واستعارة.
وكان موزّعا لأوقاته، فوقت للعبادة، ووقت للمذاكرة، ووقت لمصالح العساكر، ووقت للشكاة، ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كلّ يوم وليلة من مملكته، لا يخلط شيئا بشيء، فإنه كان ينهض في الليل قبيل الصبح الصادق، فيتوضّأ، ويذهب إلى المسجد، ويصلّي الفجر بجماعة، ثم يشتغل بتلاوة القرآن والأوراد الموظّفة، ثم يجلس بدولت خانه، ويتمثّل بين يديه الأمراء المقرّبون، ويحضر لديه ناظر العدلية (داروغه عدالت) بجماعة من المتظلّمين، سواء كانوا من أهل "دهلي" أو من خارجها، فيقضي فيهم بما يبدو له من الشرع أو العرف.
ثم كان يذهب إلى البرج المشرف على نهر "جمن"، ويسمّونه "جهروكه درشن" على سنة أسلافه، وبعد مدّة من الزمان ترك ذلك، فكان يدخل المنزل، فيمكث به نحو ساعتين أو ثلاث ساعات، ثم يظهر في الديوان العام، ويجلس للناس، فيحضر لديه أبناء الملوك، وكبار الأمراء وعظماء "الهند" والسفراء، وكلّهم يقفون بين يديه، ومن ورائهم تقف عامّة الأمراء، ويتلوهم