يَنْساه، فبَقِيَ على هذا مُدَّة، ثم إنَّ الفَرَّاش نَسِيَ ليلةً من الليالي أن يطْرح له الدرهم والدينار، فانْتَبَه وصلَّى، وقلَّب المطَّرحَ ليأخذ الدِّرهم والدينار ففقدهما، فتَطيَّر من ذلك، وظنَّ أنّه لقُرْب أجله، فقال للفرَّاشين: خذوا كلَّ ما هنا من الفراش، وأعْطوه لأوَّل فقير تلقونه، حتى يكونَ كفّارةً لتأخير هذا. فلَقَوْا أعْمًى هاشِميًّا يتَّكِئُ على يد امرأة، فقالوا: تَقْبَل هذا؟ فقال: ما هو؟ فقالوا: مُطَّرَحٌ وديباج، ومَخادُّ وديباج. فأُغْمِي عليه، فأعْلَمُوا الصاحب بأمره، فأحضره، ورَشَّ عليه ماء، فلمّا أفاق سأله، فقال: اسْألوا هذه المرآة إن لم تصدِّقونِي. فقال له: اشْرَح، فقال: أنا رجل شريف، ولي ابنةٌ من هذه المرأة، خطبها رجل، فزوَّجناه، ولي سنتين آخذ القَدْرَ الذي يفضُلُ عن قُوتنا واشْترِي به لها جِهازا، فلمّا كان البارحةَ قالتْ أمُّها: اشْتهَيْتُ لها مُطَّرح ديباج ومَخادَّ ديباج. فقلتُ من أين لي ذلك؟ وجرَى بيني وبينها خُصومة إلى أن سألتُها أن تأخذَ يدي، وتُخْرِجَني حتى أمْضِيَ على وجهي، فلمّا قال لي هولاء هذا الكلام، حُقَّ لي أن يُغْشَى عليَّ. فقال لا يكون الدِّيباج إلا مع ما يليق به. ثم اشترى له جهازا يليق بذلك المطَّرَح، وأحْضَر زَوْج الصَّبِيَّة، ودفع إليه بضاعة سَنِيَّة.
وَلِيَ الصاحبُ الوَزارة ثمانية عشر سنة وشهرا، لمؤيَّد الدولة بن ركن الدولة بن بُوَيْه، وأخيه فخر الدولة، وهو أوَّل من سُمِّي الصاحب مِن الوزراء؛ لأنه صحب مُؤيَّد الدولة من الصِّبا، وسمّاه الصاحب، فغلب عليه هذا اللَّقَب، ولم يُعَظِّمْ وزيرا مَخدومُه، ما عظَّمه فخرُ الدولة، ولم يجتمعْ بحضرة أحدٍ من العلماء والشعراء والأكابر، ما اجْتَمَع بحضرته.
وعنه أنَّه قال: مُدِحْتُ بمائة ألف قصيدة؛ عربية وفارسية، ما سرَّنِي شاعر كما سرَّني أبو سعيد الرُّسْتُمِيُّ الأصْبَهانِيّ بقوله: