ولم يكن يقوم لأحد من الناس، ولا يُشِيرُ إلى القيام، ولا يطمع أحدٌ منه في ذلك كائنا مَن كان.
وأمّا أبو حَيَّا التَّوْحِيدِيُّ، فإنّه أمْلَى في ذَمِّه وذمِّ ابن العَميد مُجلَّدة، سمّاها "ثَلْب الوزيرين" لنقص حَظٍّ نالَه منه، وعدَّه فيها قبائحَ له.
وللصاحب من التصانيف "المحيط باللغة"، عشر مجلَّدات، و"رسائله"، و"الكشف عن مساوي المتنبي"، و"جوهرة الجمهرة"، "ديوان شعره"، وغير ذلك.
وأرَّخ وفاته كما سيأتي، ثم قال: وأغْلِقَتْ له مدينة "الرَّيِّ"، واجْتمع الناس على باب قصرِه ينتظرون لجنازته، فلمّا خرج نعشُه، صاح الناس. وشُهرتُه تُغْنِي عن الإطناب. انتهى.
وأحسَنُ ترجمةٍ وقفتُ له عليها، في كتاب "يتيمة الدَّهر" للثَّعالبِيِّ، فإنَّه رحمه الله تعالى، قد أجاد فيها، وأفاد، وبلَغ أقْصَى غايات المراد، وها أنا أُلَخِّص منها ترجمة مُخْتصرة، غيرَ مُخِلَّة بالمقصود، ويَقَرُّ بها الناظر، ويُسَرُّ بها الخاطر، فأقول، وبالله التوفيق:
قال - أعني الثَّعالبي -: ليست تحْضُرني عبارة أرْضاها للإفصاح عن عُلُوِّ محلِّه في العلم والأدب، جلالة شأنه في العلوم والكَرَم، وتفَرُّده بغايات المحاسِن، وجَمْعِه أشْتات المفاخِر؛ لأنَّ هِمَّة قولي تنْخَفِض عن بُلوغ أدْنى فضائله ومَعاليه، وجُهْدَ وَصْفِي يقْصرُ عن أيْسَر فَواضله ومَساعِيه، ولكنِّي أقول: هو صَدْرُ المشرق، وتاريخ المجد، وغُرَّة الزمان، ويَنْبُوع العدل والإحسان، ومَن لا حَرَج في مَدْحه بكلِّ ما يُمْدَح به مخلوق، ولولاه ما قامتْ للفضل في دهرنا سوق، وكانتْ أيامه للعَلَوِيَّة والعُلماء والأدباء والشعراء، وحضرتُه مَحَطَّ رحالهم، وموسمَ فُضَلائهم، ومَنْزَعَ آمالهم، وأمْوالهُ مَصْروفةً إليهم، وصَنائعُه مقصورةً عليهم، وهِمَّته في مجدٍ يُشيِّده، وإنْعام يُجدِّده، وفاضلٍ يصْطَنِعه، وكلامٍ حسن يصنعُه أو يسمعه، ولما كان نادرةَ عُطارِد في البلاغة، وواسِطةَ عقْج الدَّهر في السَّماحة، جُلِب إليه من