أراك امْرءًا ترجُو من الله عَفْوَهُ … وأنتَ على ما لا يُحِبُّ مُقيمُ
وإنَّ امْرءًا لا تَرْتَجِي الناسُ عَفْوه … ولم يأمَنوا منه الأذَى لَلَئيمُ
وعن عمر بن عقْبَة، عن ابن المبارك، أنَّه كان يقولُ في دعائه: اللهم إنِّي أسألُك الشهادة في غير جَهْدِ بَليَّة، ولا تَبْديلِ نِيَّة. وقد رُوِيَ أنَّ الله تعالى قد مَنَّ عليه بإجابة دَعْوَتِه، فأماتَه شهيدا غريبا في غير تُرْبتِه، من غير جَهْدٍ في الشهادة، ولا تَبْديلِ في الإرادة.
وعن الحسن بن عيسى، قال: لما حضرت ابنَ المبارك الوفاةُ: قال لنصر مَوْلاه: اجعل رأسَى على التُّراب. قال: فبكَى نصر، فقال له: ما يُبْكِيكَ؟ قال: أذْكُرُ ما كنتَ فيه من النَّعيم، وأنتَ هو تموتُ فقيرا غريبا. فقال له: اسْكُتْ، فإنِّي سألتُ الله تبارك وتعالى أن يُحيِيَنِي حياةَ الأغنياء، وأنْ يُمِيتَنِي مِيتَةَ القراء. ثم قال: لَقِّنِّي، ولا تُعِدْ عليَّ إلا أن أتكلَّم بكلامٍ ثانٍ.
ورُوِيَ أنّه لما حضرته الوفاة، جعل رجلٌ يُلَقِّنُه: قُلْ لا إله إلا الله. فأكْثَر عليه، فقال: إنَّك ليس تُحْسِنُ، أخاف أن تُؤْذِيَ بها رجلًا مسلما بعدِي، إذا لَقَّنْتَنِي فقُل: لا إله إلا الله. ثم إن لم أُحْدِث كلاما بعدَها فدَعْنِي، فماذا أحْدَثْتُ كلاما بعدَها، فلَقِّنِّي حتى تكونَ آخرَ كلامِي.
وعن أبي القاسم القُشَيْرِيّ، أنَّه قال: قيل فتَح عبدُ الله بن المبارك عيْنَيْه عندَ الوفاة فضحك، وقال:{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}(١).
ورُوِيَ أن رُؤْيَ على قبر عبد الله بن المبارك مكتوبٌ:
الموت بحرٌ مَوْجُه غالبٌ … تذْهَلُ فيه حِيَلُ السّابحِ
لا يَصْحَبُ المرءَ إلى قبره .. غيرُ التقي والعمل الصّالحِ
ولما مات ابنُ المبارك، وبلغ موتُه الرَّشيدَ، جلس للعَزاء، وأمر الأعيان أن يُعَزُّوه فيه، وعُدَّ ذلك من مَحاسن الرشيد.