ورُوِيَ عنْ أبي حاتم الفَرَبْرِيّ، أنَّه كان يقول: رأيتُ عبدَ الله بن المبارك في المنام، واقفا على باب الجنة، بيدِه مفتاحٌ، فقلتُ: يا أبا عبد الرحمن، ما يُوقِفُك ههنا؟ قال: هذا مفتاح باب الجنة، دفعه إليَّ محمد صلى الله عليه وسلم، وقال: حتى أزورَ الرَّبَّ سبحانه وتعالى، فكُنْ أمِيْنِي في السماء، كما كنتَ أمِينِي في الأرض.
وفي "تاريخ العَيْنِيّ" عن علي بن الحسن بن شَقيق، أنَّه قال: توجَّه ابنُ المبارك من "مَرْوَ" إلى "الكُوفة" للحجِّ، فخرج ثم رجع بعد ذلك عن قريبٍ، فسألتُه عن سببِ رجُوعِه، فقال: خرجتُ إلى موقِف "الكوفة"، وفي كُمِّي خمسمائة دينارُ، لأشْتَرِيَ به جِمالا، فرأيتُ امرأةً تُسارِقُ الناسَ من بعيدٍ، وتتقدَّم إلى مَزْبلةٍ هناك، عليها بَطَّةٌ ميِّتةٌ، تُريدُ أن تأخذَها، فإذا نَظَر إليها أحدٌ أمْسَكَتْ، فغَفِلَ الناسُ عنها، فأخذَتْها وأنا أسارِقُها النظرَ، فتَبِعْتُها وقلتُ لها: تأكُلِين الميْتَة! فقالت: يا أبا عبد الله، ألا تَسْألنِي؟ قال: فوقَع كلامُها في قلبِي، فألْحَحْتُ عليها، فقالتْ: قد أحْوَجْتَنِي إلى هَتْكِ سِتْرِي، وكشف سِرِّي، أنا امرأة شريفة، مات زوجِي، وترك أربعةَ بناتٍ يتامى، وليس يسْتُرنا إلا الحِيطان، ولنا أربعة أيام ما أكلْنا شيئًا، فخرجتُ أتسبّبُ لهن في شيء، فلم أجِدْ غيرَ هذه البطَّة، فأخذتُها لأُصْلِحَها، وأحملها إلى بناتِي، فيأكُلْنَها. فقلتُ: افْتَحِي حِجْرَك. ففتَحَتْه، فصبَبْتُ الدَّنانيرَ فيه، ونزعَ الله من قلبي شَهْوةَ الحجِّ في تلك السنة، وعُدْتُ إلى بلدِي، وأقمتُ حتى عاد الناس عن الحجِّ، فخرجتُ أتلَقَّاهم، فجعلتُ كلَّ مَنْ أقولُ له: قَبِلَ الله حَجَّك. يقول: وأنتَ قَبِلَ الله حَجَّك. وأكْثَرَ علَيَّ الناس، وبِتُّ متعجِّبا، فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: يا ابنَ المبارك، لا تَعْجَبْ، فإنَّك أغَثْتَ مَلْهوفةً من وَلَدِي، فسألتُ الله أن يخْلُقَ على صُورَتك مَلَكا يَحُجُّ عنك إلى يوم القيامة، وهو يَحُجُّ عنك، فإن شِئْتَ أن تَحُجَّ وإن شئت أن لا تحُجَّ.