والله تعالى أسأل سؤال الضارع الخاشع، متوسّلا بحبيبه المشفّع الشافع أن يجعله خالصا لوجهه من فضله، وأن ينفع المسلمين به، كما ينفعهم بأصله، وأن يتقبّل هذا، ويجعله ذخيرا لمعادي، إنه بالإجابة جدير، وعلى كلّ شيء قدير. انتهى.
بذل المؤلّف العلام قصارى مجهوده بجمع تلك الأحاديث وترتيبها، التي منها تستنبط مسائل الفقه الحنفي، وبها تأيّد (وحذا في ذلك حذو مشكاة المصابيح)، وذلّل صعابها، وأنار غياهبها برؤيته الثاقبة، وفكرته الغامضة، حتى وجد ضالّته المنشودة على أحسن ما يرام، جعل الله أمنيته ضاحكة مستبشرة بأبهر نجاح.
ومما يزداد به القارئ بصيرة أن المؤلّف العلامة ألزم نفسه عدّة أمور في تأليفه هذا، وهي هذه:
الأول: قد جمع لكلّ موضوع كبير من موضوعات الكتب ما يتعلّق به من الآيات القرآنية، وقد تلا في ذلك تلو "صحيح البخاري".
الثاني: قد سلك المؤلّف في تبويب هذا الكتاب مسلك "المشكاة"، لأن غايته لم تكن إلا أن يدّخر ذخيرة جامعة على أسلوبها، توفي بمقصود أصحاب الفقه الحنفي، وتشفي غلّتهم.
الثالث: كما أن صاحب "المشكاة" رعا في التبويب وجهة الفقه الشافعي، ولاحظه ثقة به، وتأييدا إياه، فكذلك أقام الفاضل المؤلّف مقامه وجهة الفقه الحنفي تحقيقا إياه، وتأكيدا عليه.
الرابع: لا توجد مسألة في "المشكاة" إلا وقد انتشرت أحاديثها، التي يستدلّ بها في ثلاثة فصول، وذلك ما يشقّ على القرّاء التفحّص عنها والوقوف عليها، لأن القارئ في هذه الصورة لم يستطع أن يلمّ بما قصد إليه في نظرة خاطفة، ولكن الفاضل المؤلّف أجاد فيما أفاد من أنه جمع لكلّ مسأله كلّما ينوط به من الأحاديث النبوية في موضع واحد، لا ترى فيها عوجا، ولا فصلا.