للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان المأمون أبيض اللَّوْن، رَبْعَةً، حسن الوجه، قد وَخَطه الشَّيْبُ، تعْلُوه صُفْرةٌ، أعْيَنُ، طويلُ اللِّحْية رَقيقُها، ضَيِّق الجبين، على خَدِّه خالٌ، وكان ساقاه دون سائر جسده صَفْراوَيْن، حتى كأنَّهما طُلِيَتا بالزَّعْفَران.

وعن اليَزِيدِيّ، أنّه قال: كنتُ أُؤدِّبُ المأمون، فأتيتُه يوما، فوجدتُه داخل المنزل، فوجَّهْتُ إليه بعضَ خَدَمِه يُعْلِمُه بمكاني، فأبْطَأَ عليَّ، ثم وجَّهْتُ إليه آخر، فأبْطَأ وتأخَّر، فلما خرج أمَرْتُ بحَمْلِه، فضربتُه سَبْعَ دِرَرٍ. قال: فإنَّه ليَدْلُكُ عيْنَيْه من البُكاء، إذ قيل: هذا جعفر بن يحيى قد أقْبَل، فأخذ مِنْديلا، فمسَح عيْنَيْه من البُكاء، وجمع ثيابَه، وقال إلى فَرْشَةٍ، وقَعَدَ عليها مُتربِّعا. ثم قال: لِيَدْخُلْ. فدخل فقُمْتُ من المجلس، وخِفْتُ أن يَشْكُوَنِي إليه، فألْقى منه ما أكْرَهُ. قال: فأقْبَلَ عليه بوَجْهِه وحديثه حتى أضْحكَه، وضَحِكَ إليه، فلمّا همَّ بالحركة، دعا بدابَّته، وأمَر غِلْمانَه، فسَعَوْا بين يَدَيْه، ثم سأل عنِّي، فجئتُ، فقال: خُذْ علَيَّ ما بَقِيَ من جُزْئي. فقلتُ: أيّها الأميرُ، أطالَ اللهُ بقاك، لقد خِفْتُ أن تَشْكُوَنِي إلى جعفر بن يحيى، ولو فعلتَ ذلك لَتنَكَّر لي، فقال: أتُرانِي يا أبا محمد كنتُ أُطْلِع الرشيد على هذه، فكيف بجعفر بن يحيى حتى أُطْلِعَه؟ إنِّي أحْتاجُ إلى أدب، إذا يغفرُ الله لك بُعْدَ ظَّنِّك، ووَجِيبَ قلبِك، خُذْ في أمْرِك، فقد خطَر ببالك ما تراهُ أبدا، ولو عُدْتَ في كلِّ يوم مائة مرّةٍ.

وكانتْ ولايته الخلافةَ في المحرّم، لخمسٍ بَقينَ منه، بعدَ مَقْتلِ أخيه، سنة ثمان وتسعين ومائة، فاسْتمرَّ في الخلافة عشرين سنة وخمسةَ أشْهُرِ.

قال ابنُ كثير في "تاريخه": وقد بايَع في سنة إحدى ومائتين بولاية العَهْدِ من بعدِه لعليِّ الرِّضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق بن محمد الباقر بن عليّ زين العابدين ابن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وخلَع السَّواد، ولبِس الخُضْرَة، كما قدَّمنا، فأعْظَمَ ذلك العبّاسِيُّون من البَغْادِدَةِ وغيرِهم، وخلَعوا المأمون، وولَّوا عليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>