إبراهيم بن المهْدِيّ، ثم ظَفِر بهم المأمونُ، واسْتقام أمرُه في الخلافة، وذلك بعدَ مَوْتِ عليّ الرِّضا بـ "طُوسَ"، وعَفا عن عمِّه إبراهيم بن المْهدِيّ.
قال: وروَى الخطيبُ البغداديّ، عن القاسم بن محمد بن عبّاد، قال: لم يَحْفَظِ القرآن أحدٌ من الخلفاء غيرَ عثمان بن عفان، والمأمون، وهذا غريب جدًّا.
قالوا: وكان يتْلو في شهر رمضان ثلاثا وثلاثين ختمة.
وجلس يوما لإملاء الحديث، فاجْتَمَع حولَه القاضي يحيَى بن أكْتَم، وجماعةٌ، فأملَى عليهم من حِفْظِه ثلاثين حديثا.
وكانتْ له بَصيرةٌ بعلوم مُتَعدِّدة؛ من فقه، وطِبٍّ، وشعر، وفرائض، وكلام، ونحو، وعربية، وغريب، وعلوم النُّجوم، وإليه يُنْسَبُ "الزِّيجُ المأمُونِيّ".
ورَوَى ابنُ عساكر، أنَّ المأمون جلس يوما للناس، وفي، مجلسه العلماءُ والأمَراء، فجاءتْ امرأةٌ تتظَلَّم إليه، فذكرتْ أنَّ أخاها تُوُفِيّ، وترك سِتَّمائة دينار، فلم يحْصُلْ لها سِوَى دينار واحد. فقال لها على البديهة: قد وصَل إليك حقُّك؛ لأنّ أخاْك قد تَرَك بِنْتَيْن، وأمّا، وزوجةً، وأثْنَى عشر أخا، وأخْتا، وهي أنتِ. قال: نعم، يا أمير المؤمنين!. فقال: للبنتين الثُّلثان، أربعُمائة دينار، وللأُمِّ السُّدس، مائةُ دينار، وللزَّوجة الثُّمُن خمسة وسبعون دينارا، يبقى خمسة وعشرون دينارا، لكلّ أخٍ ديناران، ولك دينار واحدٌ. فتعجَّب الناس من فِطْنَتِه وسُرْعة جَوابِه.
وقد روينا هذه الحكاية أيضًا عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
ودخل [بعض] الشُّعَراء على المأمون، وأنْشَدَه بيتا من شِعْره قالَه فيه، وكان الشاعر يُعْجَبُ به، فلم يقعْ من المأمون مَوْقِعا، ولا رفَع له رأسا، فلمّا خرَج من عِندِه لقيَهُ شاعرٌ آخَر، فشكا له حالَه، وعدمَ إقْبالِ المأمون على شِعْره، فقال له: ما هو؟ فقال: