فقال له ذلك الشاعر: ما زِدْتَ على أن جعلتَه عَجوزًا في مِحْرابها، في يدِها سُبْحةٌ، فمن يقوم بأمْر الدُّنيا إذا كان مَشْغولا عنها، وهو المطَوِّق بها، فهلا قلتَ كما قال جَرِيرٌ في عبد العزيز بن الوليد، وهو:
فلا هو في الدنيا مُضيعٌ نَصيبَه … ولا غَرَضُ الدُّنيا عن الدين شاغِلهْ
روى ابنُ عَساكِر، من طريق النَّضْر بن شُمَيْل، قال: دخلتُ على المأمون، فقال: كيف أصْبَحْتَ يا نضر؟ قلتُ: بخيرٍ يا أمير المؤمنين! قال: ما الإرْجاءُ؟ فقلتُ: دينٌ يُوافقُ الملوك، يُصيبون به من دُنْياهم، ويَنْقُصون من دينهم. قال: صدَقْتَ. ثم قال: يا نضر، أتَدْري ما قلتُ صَبِيحة هذا اليوم؟ قلتُ: أنَّى لي بعلمِ الغيبِ. فقال:
أصْبَح ديني الذي أَدينُ به … ولستُ منه الغداةَ مُعتَذِرَا
حُبَّ عَليٍّ بعدَ النَّبِيّ ولا … أشْتُمُ صِدِّيقَنا ولا عُمَرَا
وابنُ عَفان في الجنان مع الأبـ … ــرار ذاك القَتيلُ مُصْطَبِرا
لا ولا أشْتُمُ الزُّبَيْرَ ولا … طَلْحَةَ إنْ قال قائلٌ غَدَرا
وعائشُ الأمُّ لستُ أشْتُمُها … مَن يَفْتَرِيها فنحنُ منه بَرَا
قال ابنُ كثير: وهذا المذهب ثاني مراتب التَّشَيُّع، وقبلَه تفضيلُ عليِّ على عثمان، رضي الله تعالى عنهما، وقد قال بعضُ السَّلف: مَن فضَّل عليًّا على عثمان، فقد أزْرَى بالمهاجرين والأنصار. يعني في اجْتهادِهم ثلاثةَ أيّام، ثم اتَّفقُوا على تقْديم عثمان على عليِّ بعدَ مَقْتلِ عُمَرَ، رضي الله تعالى عنه، وبعدَ ذلك سِتَّ عشْرَة مَرْتَبة في التَّشَيُّع، على ما ذكرَه صاحب كتاب "البلاغ الأكبر، والنّاموس الأعظم" تنْتَهِي [به] إلى كُفْرِ الكفر.
قال - أعني ابن كثير -: وقد رَوَيْنا عن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، أنَّه قال: لا أُوتَى بأحدٍ يُفَضِّلُنِي على أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، إلا جَلَدْتُه حَدّ المفْتَرِي. وتَواتَرَ عنه أنَّه قال: