قال صالح بن محمد جَزرة وغيره: سمعنا يحيى بن مَعين يقول: "أبو حنيفة ثقة في الحديث". وروى أحمد بن محمد بن مُحْرز عن ابن مَعين: لا بأس به، لقد ضربه ابن هُبَيْرة على أن يكون قاضيا، فأبى. قال ابن كأس النخعي: ثنا جعفر بن محمد بن حازم، ثنا الوليد بن حماد، عن الحسن بن زياد، عن زُفر بن الهُذيل: سمعتُ أبا حنيفة، قال:"كنتُ أنظُرُ في الكلام حتى بلغتُ فيه (مبلغا يُشارُ إليّ فيه بالأصابع)(١).
وكنا نجلس بالقرب من حَلْقة حَمَّاد بن أبي سُليمان، فجاءتْني امرأة، فقالتْ: رجل له امرأة أمة أراد أن يطلّقها للسنَّة، كم يطلّقها؟ فلم أدر ما أقول، فأمرتُها أن تسأل حمادا ثم ترجع، فتُخبرني، فسألتْه فقال: يُطلِّقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض حيضتين، فإذا اغتسلتْ فقد حلتْ للأزواج.
فرجعتْ، وأخبرتْني، فقلتُ: لا حاجة لي في الكلام، وأخذتُ نعلي، وجلستُ إلى حماد، فكنتُ أسمع مسائله، وأحفظ قوله، ثم يُعيدها من الغد، فأحفظها، ويُخطئ أصحابه، فقال: لا يجلس في صدر الحَلْقة بحذائي إلا أبو حنيفة، فصحبتُه عَشْر سنين.
ثم نازعتْني نفسي الطلب للرياسة، فأحببتُ أن أعتزله، وأجلس في حلقة لنفسى، فخرجتُ يوما بالعَشِيِّ، وعَزْمى أن أفعل، فلما دخلتُ المسجد، فرأيتُه لم تطب نفسي أن أعتزله، فجئتُ فجلستُ معه، فجاءه في تلك الليلة نَعْيُ قرابة له بـ "البصرة"، وترك مالا، وليس له وارث غيره، فأمرني أن أجلس مكانه.
فما هو إلا أن خرج، حتى وردتْ على مسائلُ لم أسمعها منه، فكنت أجيب، وأكتب جوابي، فغاب شهرين، ثم قَدِم، فعرضتُ عليه المسائل، وكانتْ نحوا من ستين مسئلة، فخالفني في عشرين منها، فآليتُ أن لا أفارقه، حتى يموت".