الأرجاء، وتهافتوا عليه تهافت الظمآن على الماء، هذا وقد اعترته الأمراض المؤلمة، وهو ابن خمس وعشرين، فأدّت إلى المراق والجذام والبرص والعمى، ونحو ذلك، حتى عدّ منها أربعة عشر مرضا مفجعا، ومن ذلك السبب فوّض تولية التدريس في مدرسته إلى صنويه: رفيع الدين وعبد القادر، ومع ذلك كان يدرّس بنفسه النفيسة أيضا، ويصنّف، ويفتي، ويعظ.
ومواعظه كانت مقصورة على حقائق التنزيل في كلّ أسبوع يوم الثلاثاء، وكان في آخر عمره لا يقدر أن يقعد في مجلس ساعة، فيمشي بين مدرستيه: القديمة والجديدة، ويشتغل عليه خلق كثير في ذلك الوقت، فيدرّس، ويفتي، ويرشد الناس إلى طريق الحق، وكذلك يمشي بين العصر والمغرب، ويذهب إلى الشارع الذى بين المدرسة وبين الجامع الكبير، فيتهادى بين الرجلين يمينا وشمالا، ويترقّب الناس قدومه في الطريق، ويستفيدون منه في مشكلاتهم، ومن تلك الأمراض المولمة فقدان الاشتهاء إلى حدّ يقضي أياما وليالي، لا يذوق طعم الغذاء، حتى صار الأكل غبا بطريق النوبة، كالحمى، صرّح به في تقريظه على "المناقب الحيدرية".
قال فيه: ويعتذر من التقصير في التقريظ بأعذار صادقة وأمراض سابقة ولاحقة، حتى أدّت إلى فقدان الغذاء بالمرّة، وصار الأكل غبا بطريق النوبة، كالحمّى لغلبة المرة، وتساقطت القوى، واختلّت الحواسّ وتهاترت الأعضاء، والعظام، والأضراس، إلى غير ذلك.
وقال في كتابه إلى أمير حيدر بن نور الحسنين البلكرامي: وإن سألتم عن حال هذا المحبّ فهو في سقم واصب ليلا ونهارا، وكرب يزعجه سرا وجهارا، وقرار زائل، وقلق حاصل، وذلك لاجتماع أمراض، كلّ منها بانفراده يكفي لإزعاج الرجل وإكماده، منها: قبض البواسير، واحتباس الرياح في المعدة والأمعاء، ومنها: فقدان الاشتهاء إلى حدّ يقضي أياما وليالي، لا يذوق طعم الغذاء، ومنها: صعود الأبخرة إلى القلب، فيحاكي حالته الانزهاق