وجواز تقليده، وممن ذكر ذلك من أئمة الزيدية وشيوخ المعتزلة المنصور بالله في كتابه "الصفوة"، وأبو الحسين البصري في كتابه "المعتمد".
وهذا في سكوت سائر العلماء عن النكير على المفتي، فكيف بسكوت رُكن الإسلام من عصابة التابعين ونبلاء سادات المسلمين، ومن هم من خير القرون بنص سيّد المرسلين، فقدكان الإمام أبو حنيفة معاصرا لذلك الطِّراز الأول، كما سياتي.
وقد تَطابق الفريقان من أهل السنّة والاعتزال على التعظيم لأبي حنيفة والإجلال.
أما أهل السنَّة فذلك أظهر من الشمس، وأوضح، من أن يدخل فيه لَبسٌ.
وليس يصح في الأذهان شئ … إذا احتاج النهار إلى دليل.
وأما المعتزلة فقد تشرف أكثرهم بالانتساب إليه، والتعويل في التقليد عليه، كأبي علي، وولده أبي هاشم من متقدّميهم، وأبي الحسين البصري، والزمخشري من متأخِّريهم، وهم وإن قدَّرنا دعواهم الاجتهادَ والخروج من التقليد، فذلك إنما كان بعد طلب العلم وطول المدة، وهم قبل ذلك وفي خلاله مُعترفون باتباع أقواله، وبعد ذلك لم يستنكفوا من الانتساب إلى اسمه، والمتابعة في المعارف لرسمه.
وفِي كلام علّامتهم الزمخشري: وتَدَ الله الأرض بالأعلام المنيفة، كما وَطَد الحنفية بعلوم أبي حنيفة، الأئمة الجِلَّة الحنفية، أزمَّة الملة الحنيفية، الجود والحلمُ حاتمي وأحنفي، والدين والعلم حنيفى وحنفى.
وقد عقد الحكم أبو سعيد فصلا في فضل أبي حنيفة وعلمه، ذكره في كتابه "سفينة العلوم".