وقد أطبق أهل التاريخ على تعظيمه، وأفرد بعضهم سيرته رضى الله عنه في كتاب سماه "شقائق النعمان في مناقب النعمان".
ولو كان الإمام أبو حنيفة جاهلا، ومن حِلْية العلم عاطلا ما تَطابقت جبال العلم من الحنفية على الاشتغال مذاهبه، كالقاضي أبي يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، والطحاوي، وأبي الحسن الكرخى، وأمثالهم وأضعافهم.
فعلماء الطائفة الحنيفة في "الهند" و"الشام"، و"مصر"، و"اليمن"، و"الجزيرة"، و"الحرمين"، و"العراقَين" منذ مائة وخمسين من الهجرة إلى هذا التاريخ يزيد على ستمائة سنة، فهم أُلوف لا ينحصرون وعوالم لا يُحصَون، من أهل العلم والفتوى والوَرَع والتقوى.
فكيف يجترئ هذا المعترض، ويُجوِّز عليهم أنهم تطابقوا على الاستناد إلى عامي جاهل، لا يعرف أن الباء تجرُّ ما بعدها، ولا يدرى ما يخرج من رأسه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ما هذا إلا كلام عامي أو أعمى يخبط من الجهل في ظَلْماء.
وهبك تقول هذا الصبح ليل … أيعمى العالمون عن الضياء
وأما ما قدح به على الإمام أبي حنيفة من عدم العلم باللغة العربية، فلا شك أن هذا كلام مُتحامل مُتنكب عن سبيل المحامل، فقد كان الإمام أبو حنيفة من أهل اللسان القديمة واللغة الفصيحة.
وليس بنحويّ يلوك لسانه … ولكن سليقي يقول فيُعربُ
وذلك لأنه أدرك زمانَ العرب، واستقامةَ اللسان، فعاصرَ جريرا والفرزدق، ورأى أنس بنَ مالك، خادمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، وقد توفي أنس سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، والظاهر أن أبا حنيفة ما رآه وهو في المهد، وإنما رآه بعد التمييز، فدلَّ على أن أبا حنيفة