للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان المعمرين، وتأخّرت وفاتُه، إلى سنة خمسين ومائة. وقد جاوز التسعين في العمر (١).

وهذا يقتضى أنه بلغ الحُلمَ، وأدرك بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر الثمانين سنة، لأنه عليه السلام توفي بعد مُضيِّ عشرٍ من الهجرة، فهذا يدل على تقدم أبي حنيفة، وإدراكه زمان العرب، وهو أقدم الأئمة وأكبرهم سنا، فهذا مالك على تقدمه توفي بعده بنحو ثلاثين سنة.

ولا شك أن تغير اللسان في ذلك الزمان كان يسيرا، وأنه لم يشتغل في ذلك الزمان بعلم اللغة وفن الأدب أحد من مشاهير العلماء المتبوعين المعتمد عليهم في التقليد لعدم مسيس الحاجة إلى ذلك في ذلك العصر، كما أشار إلى ذلك أبو السعادات ابن الأثير في ديباجة كتابه "النهاية"، وكما لا يخفى ذلك على من له أنس بعلم التاريخ.

فلو أجبنا قراءةَ علم العربية في ذلك الزمان على المجتهد لم نقتصر على أبي حنيفة، ولزم أن لا يصح استشهاد علماء العربية بأشعار جرير والفرزدق، وهذا ما لم يقل به أحد، وإنما احتلَّ اللسانُ الاختلالَ الكبيرَ في حق بعض الناس بعد ذلك العصر، وقد سلم من تغير اللسان من لم يُخالط العجم في الأمصار، من خُلص العرب، وأدرك الزمخشري كثيرا منهم ممن لزم البادية - وكان الزمخشري في القرن السادس توفي سنة ٥٣٨ هـ -، وأكثر ما أسرع التغير إلى العامة، ومن لا تمييز له.


(١) هذا على قول من قال أن مولد أبي حنيفة سنة إحدى وستين، والصحيح أنه ولد سنة ثمانين، وهذا لا يؤثر على استدلال ابن الوزير، بل يبقى صحيحا على الحالين كما لا يخفى.

<<  <  ج: ص:  >  >>