وقد قال الأمير العالم الحسين بن محمد في كتاب "شفاء الأوام": إن الإمام يحيى بن الحسين رضى الله عنه كان عربي اللسان، حجازيَّ اللغة، من غير قراءة، وروى علامة الشيعة علي بن عبد الله بن أبي الخير أنه - أي الإمام يحيى - قرأ في العربية أربعين يوما، وهذا قد توفي على رأس ثلاثمائة سنة من الهجرة.
وأما سنة ثمانين من الهجرة فليس أحد من أهل التمييز يعتقد أن أهل العلم في ذلك الزمان كانوا لا يتمكنون من معرفة معاني كلام الله ورسوله إلا بعد القراءة في علم العربية، ولو كان ذلك منهم لنقل ذلك، وعرف شيوخ التابعين فيه.
وليت شعري من كانوا في ذلك شيوخ علقمة بن قيس، وأبي مسلم الخولاني، ومَسْروق بن الأجدع، وجبير بن نفير، كعب الأحبار؟ ومن كانوا شيوخَ من بعدهم من التابعين، كالحسن، وأبي الشَّعْثاء، وزين العابدين، وإبراهيم التيمي، والنَّخعى، وسعيد بن جبير، وطاوس، وعطاء، ومجاهد، والشعبى، وأضرابهم؟ فلم خُصَّ أبو حنيفة بوجوب تعلم العربية، وفي أيّ المصنّفات البسيطة يقرأ في ذلك الزمان؟!
وأما قوله:(بأبا قبيس) فالجواب عليه من وجوه:
الأول: أن هذا يحتاج إلى طريق صحيحة، والمعترض - السيّد جمال الدين علي - قد شدّد في نسبة الصحاح إلى أهلها مع اشتهار سماعها والمحافظة على ضبطها، فكيف بهذه الرواية؟
الثاني: أنه إن ثبت بطريق صحيحة فإنه لم يشتهرْ ولم يصح مثل شهرة صدور الفتيا ودعوى الاجتهاد عن الإمام أبي حنيفة، وقد تواتر علمه وفضله، وأُجْمِع عليه، وليس يُقدح في المعلوم بالمظنون، بل بما لا يستحق أن يُسمى مظنونا.