للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثالث: أنا لو قدرنا أن ذلك صح عنه بطرق معلومة، لم يَقْدح به، لأنه ليس بلحن، بل هو لغة صحيحة، حكاه الفرَّاء عن بعض العرب، وأنشد:

إن أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

الرابع: سلمنا أن هذا لحن، لا وجه له، فإنه لا يدلّ على عدم المعرفة. فإن كثيرا من العلماء العربية يتكلم بلسان العامة، ويتعمد النطق باللحن، بل قد يتكلم العربي بالعجمية، ولا يقدح ذلك في عربيته.

وعلى الجملة: فكيف ما دارت المسئلة، فإن ذلك لا يدل على قصور الإمام أبى حنيفة، بل يدل على غفلة المعترض به وتغفيله، وجُرأته على وصم هذا الإمام الجليل وتجهيله.

وأما قدحه عليه بالرواية عن المضعفين، وقوله: إن ذلك ليس إلا لقلة معرفته بالحديث، فهو وَهم فاحش، ولا يتكلم به منصف، والجواب على ذلك يتبين بذكر محامل:

المِحْمِلُ الأول: أنه قد عُلم من مذهب أبى حنيفة رحمه الله أنه يقبل المجهولَ، وإلى ذلك ذهب كثير من العلماء كما قدمنا (١)، ولا شك أنهم إنما يقبلونه، حيث لا يعارضه حديث الثقة المعلوم العدالة، لأن الترجيح بزيادة الثقة والحفظ عند التعارض أمر مجمع عليه.

ولا شك أن الغالب على حملة العلم النبوى في ذلك الزمان العدالة.

ويشهد لذلك الحديث الثابت المشهور: "خيركم القرن الذي أنا فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب".


(١) في ١: ٢٠ - ٢٦، من "الروض الباسم".

<<  <  ج: ص:  >  >>