وقد كان علي رضى الله عنه يتَّهم بعض الرواة، فيستحلفه، ثم يقبله، وهذا إنما يكون في حديث من فيه جهالة أو نحوها، ولهذا لم يستحلف المقداد لما أخبره بحكم المِذْي.
وقد روى الحافظ ابن كثير في جزء، جمعه في أحاديث السِّباق عن الإمام أحمد بن حنبل أنه كان يرى العمل بالحديث الذي فيه ضعف إذا لم يكن في الباب حديث صحيح يدفعه، وأنه روى في "المسند" أحاديث كثيرة من هذا القبيل، وذلك على سبيل الاحتياط من غير جهل بضعف الحديث، ولا بمقادير الضعف، وما يحرم معه قبول الحديث بالإجماع، وما فيه خلاف.
وقال الحافظ أبو عبد الله بن مَنْدَة: إن أبا داود يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيرَه، لأنه أقوى عنده من رأي الرجال. انتهى.
وفي هذا شهادة واضحة على أن رواية الحديث الضعيف لا تَسْتلزمُ الجهلَ بالحديث، فأحمد وأبو داود من أئمة علم الأثر بلا مُدافعة.
وهذا الحديث الضعيف الذي ذكروه ليس حديث الكذَّابين، ولا الفسَّاق المصرِّحين، فذلك عندهم لا يستحقّ اسم الضعيف، إنما يقال فيه: إنه باطل وموضوع، أو ساقط أو متروك، أو نحو ذلك.
وإنما الضعيف حديث الراوي الصدوق الذي ليس بحافظ، أو المعلوم بالاختلاف في رفعه أو إسناده، واضطرب اضطرابا يسيرا، أو نحو ذلك مما اختلف العلماء في التعليل للحديث به أو الجرح للراوي به، ولا يظهر قوة في دليل ردِّه ولا دليل قبوله.
وأكثر التضعيف إنما يكون من جهة الحفظ، وعند الأصوليين أنه لا يُقدَح به، حتى يكون الخطأ راجحا على الصواب، أو مساويا له. وفي المساوي خلاف عندهم، والمسئلة مقرَّرة في كتب علوم الحديث، وكتب الأصول.