وقد ذكر أهل العلم بالرجال ذلك الاختلاف، وبينوا في علوم الأحاديث ما يقبل من الجرح والتعديل، ومراتبهما، كيفية العمل عند تعارضهما.
المحْمَلُ الثالث: أن يكون إنما رَوَى عن أولئك الضعفاء على سبيل المتابعة والاستشهاد، وقد اعتمد على غير حديثهم من عموم آية أو حديث أو قياس أو استدلال، مثل ما صنع مالك في الرواية عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري، قال ابن عبد البر في "تمهيده": كان مُجمعا على تجريحه، ولم يرو عنه مالك إلا حديثا واحدا معروفا من غير طريقه، وهو حديث وضع اليمين على الشِّمال في الصلاة، وقد رواه مالك في "الموطأ" من طريق صحيحة من رواية أبي حازم التابعي الجليل عن سهل بن سعد الصحابي، رضي الله عنه.
وكذلك القاسم بن إبراهيم وحفيده يحيى بن الحسين من أئمة الزيدية، قد أكثر من رواية أحاديث الأحكام والاحتجاج عليها من حديث ابن أبي ضَمرة، وأهل الرواية متفقون على تجريحه والقَدْح في روايته.
وكذلك قد روى شعبة على جلالته وتشدّده عن أبان بن أبي عيَّاش مع قول شعبة فيه: لأن أشرب من بول حمار حتى أروَى أحبُّ إليَّ من أن أقول: حدثنا أبان بن أبي عيَّاش. رواه شعيب بن جرير عنه، وروى ابن إدريس وغيره عن شعبة أنه قال: لأن يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان.
فإن قلتَ: فكيف روى عنه مع اعتقاده تحريمَه، قلتُ: إنما أراد تحريم ذلك على من لا يعرف الحق من الباطل من غيره، وتحريم رواية العارف عن المتروكين في حضرة من لا يعرف، فإن الثوري نهى عن الرواية عن بعض