للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المحمل الخامس: أن يكون كثير من الأحاديث المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة ضعيفة من قِبَل من روى عنه، لا من جهته، ولا من جهة شيوخه، ومَنْ فوقهم، كما في كثير من الأحاديث المنسوبة إلى جعفر الصادق وكثير من الثقات، فقد روى الذهبي في "الميزان" عن الحافظ ابن حبَّان أن أبان بن جعفر (١) وضع على أبي حنيفة أكثر من ثلاثمائة حديث، ما حدَّث بها أبو حنيفة قط. رواه الذهبي في ترجمة أبان بن جعفر.

إذا عرفتَ هذا فاعلم أن الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه طلب العلم بعد أن أسنَّ، (٢) وقد كان الحافظ المشهور بالعناية في هذا الشأن إذا كَبُر وأسنّ تناقَضَ حفظه، فلهذا لم يكن في الحفظ في أرفع المراتب، وكذلك غيره من الأئمة، فقد كان الإمام أحمد بن حنبل أوسع الأئمة الأربعة معرفة بالحديث وحفظا له، ولم يكن عيبا فيهم، ولا قَدْحا في اجتهادهم.

وقد كان حديث ابن المسَيّب، ومحمد بن سيرين، وإبراهيم النخعي أصحّ وأقوى من حديث عطاء، والحسن البصري، وأبي قِلابة، وأبي العالية، وكان ابن المسيّب أصحّ الجماعة حديثا من غير قدح في علم من هو دونه.

ولهذا السبب تكلَّم بعضُ الحفَّاظ في حديث الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه، فظنَّ بعض الجهَّال أن ذلك يقتضي القدحَ في اجتهاده وإمامته، وليس كذلك، فغاية ما في الباب أن غيره أحفظ منه، وذلك لا يستلزم أن غيره أفضل منه، ولا أعلم منه على الإطلاق، فقد كان أبو هريرة رضى الله عنه أحفظ الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكن أعلمَهم ولا أفقهَهم


(١) ويقال فيه (أباء بن جعفر)، وهو النَّجِيْرَمِي.
(٢) سبق عن الحافظ الذهبي ص ٤٢، أن الإمام طلب الحديث في سنة مائة وبعدها، وكان وقتئذ ابن عشرين سنة، فإن مولده سنة ثمانين على الصحيح، وابن الوزير مشى على القول بأن مولده سنة إحدى وستين.

<<  <  ج: ص:  >  >>