عليه من تلامذته، وأكبر أصحابه، ويعتقد فيه دينا وورعا، ويتوسّم فيه التحفّظ من الشبهات، واسمه شيخ جيله، فأمر أن يجلس مع العمّال، ويستمع لهم، ويخبره بالحال بعد تحقيقه، فكان يجلس، ويسمع، ويتحقّق، ويخبر، ويرجع إليهم بجواب الشيخ، وعلى ما قاله المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد … ذا عفة فلعلة لا يظلم
فأبت نفسه إلا ما هى شيمتها، فجانست من جالست، فحملت صاحبها على مضلّة الطريق، ولا خلاف في أن الصحبة مؤثّرة قاهرة، ودسّ الوزراء من يرشيه، ويرضيه، وكان يكره شرب الماء من فضّة، فصار يبيحه، ويسرق الفضّة إن نالها، وفي فضية دخلت عليه امرأة بإيعاز من الوزير، ومعها مصاغ مرصع رشوة له، وأسلمته زوجته بحضوره، ورجعت إلى الوزير تخبره، ودخل على السلطان، وقال له: تعطّلت المعاملات القانونية والرسمية، ولم تبرأ الشريعة من تدليس الرشوة، والشيخ من رجال البركة، لا من عمّال المملكة، وهنا امرأة بذلت لوكيله رشوة كذا وكذا، وكان السلطان متكئا على وسادة، فلما سمع الخبر استوى جالسا، وقال: أين هي؟ فأحضرها، فسألها، فأخبرت بما أرشت، فاستدعاه السلطان، وسأله عنه، فأنكر، ثم جمع بينه وبينها، فقالت: أنا آتيك به، وفعلت، فتأثّر السلطان، وردّ الحكمَ إلى الوزير على ما كان عليه في سالف الأيام، وبلغ الشيخ ذلك، فنوى السفر إلى "مكّة"، وتوجّه إلى "سركهيج"، وعلم به السلطان، فأرسل غير مرّة يسأل رجوعه، فلم يجب، ثم حضر الأمراء الكبار لتسليته من جانب السلطان، فشرع لهم الشيخ يبيّن لهم ما قيل في الدنيا، ومن ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله، وسلم:"ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا الآخرة للدنيا، ولكن خيركم من أخذ هذه وهذه"، ظاهر الحديث فيه رخصة، إلا أن من الأدب أن يقتصر على ما يكفي، ولله سبحانه أن يبارك له فيه، ومنه ما روي "أنه ذمّ الدنيا رجل عند أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فقال: الدنيا دار صدق لمن صدقها، دار نجاة