فقال: أهكذا يفعل من يبتدي في التدريس، إني لا أرى معك إلا طالبا واحدا من بلدك، وعادة الناجحين أن يوصوا أصدقاءهم في شتّى البلدان، أن ييعثوا باسمه طلابا جددا إلى جامع الفاتح، أزهر العاصمة، بل يشدّون الرحال إلى بلاد، يلقون فيها دروسا ليعلم الجماهير مبلغ مقدرته العلمية، فيرسلوا أبناءهم إليه، والطلبة أحرار في الحضور عند أيّ عالم شاءوا، فربما تبقى وحدك في مجلسك، حيث لم تتّخذ أيّ تدبير في الأمر، قال الأستاذ: فشوّش كلامه خاطري بعض تشويش، وفي مثل هذه الحالة النفسية كنت زرت أستاذي، مستأذنا مسترشدا بدون أن أفاتحه بشيء، مما أقلق فكري، من تلك الوساوس، فقال لي الأستاذ الكبير:
اسع جهدّك في تحقيق درسك من كلّ مصدر، واهتمّ بالتفكير في أحسن طربق في إيصال تحقيقك إلى أذهان الطلبة قدر اهتمامك بتحقيق الدرس، لأن صوغ الإلقاء في قالب متّزن مستساغ عليه مدار استفادة الطلبة كما يجب، ثم لا تبال بكثرة الطلبة أو قلّتها أصلا، لأنّ بركة نشر العلم تحصل بالقليل، إذا شاء الله سبحانه، وربما لا يحصل أيّ نضر العلم من الجماعة الكثيرة، إذا لم يبارك الله في علومهم، إذ أن بركة العلم إلى الله سبحانه، وإنما عليك السعي في العلم جهد الطاقة، مع الإخلاص، وما سوى ذلك ليس إليك.
ثم إيّاك أن تشتغل بترفيه طلبتك من ناحية السكن أو المعيشة أو نحوهما، لأن ذلك مما لا آخر له، ومما لا قبل لك به، ولأن الدرهم لا يدخل محلّا، إلا ويخرج منه الإخلاص، فليقصدك من يقصد العلم فقط، واحدا كان أو ألفا، وإيّاك أن يفسد عليك إخلاصك في العلم عقصد دنيويّ.
ثم إن العالم الجديد إذا أجهد نفسه صباحَ مساءَ بإلقاء الدرس والاستعداد للدرس انتهكت قواه، فلا بدَّ من تدارك ذلك بحسن التغذية الجسمية بشرب قدر رطل من الحليب صباحا، ممزوجا بمحَّة بَيْض مُسْتَمْرأة، وبأكل نحو ربع أقّة لحم ضأني مشويّ غداء.