وأما في الفروع، كبطلان الوضوء"بالمسّ مثلا، فلا حاجة فيه إلى الإجماع، بل يجوز اتباع كلّ واحد من المجتهدين، كالأئمة الأربعة، وما وقع من الخلاف بين الماتريدية والأشعرية في مسائل، فهي ترجع إلى الفروع في الحقيقة، فإنها ظنيات، فلم تكن من الاعتقاديات المبنية على اليقينيات، بل قال بعض المحقّقين: الخلف بينهما في الكلّ لفظي.
وثبت بتصريح المولى علي القاري هذا، ونقله عن الخطّابي والنووى أنه كان واسع الصدر في المسائل الخلافية، وعنده يسوغ الاختلاف في الفروع، بل صرّح في موضع آخر أن براعة الرجل على أقرانه في فن من الفنون علامة الاجتهاد، حيث قال: والصواب أن كلّ من فاق على أقرانه في فنّ من العلوم الشرعية من غير اختصاص بالفروع الفقهية، فهو من الأئمة المجتهدين والعلماء الراسخين الكاملين المكمّلين.
ولا شكّ "أن جلالته في العلوم الشرعية، وطول باعه في الفنون النقلية، يدلّ على كونه من العلماء الراسخين، ولله درّ محدّث "الديار اليمانية" شيخ الإسلام محمد بن على الشوكاني، حيث جعل خلافه مع الأئمة دليلا ناصعا على اضطلاع المولى علي القاري بالحديث والفقه والكلام، وكونه مجتهدا فيها، فقال بعد إيراده كلام العصامي المذكور آنفا ما لفظه:
وأقول: هذا دليل على علوّ منزلته، فإن المجتهد شأنه أن يبين ما يخالف الأدلّة الصحيحة، ويعترضه، سواء كان قائله عظيما أو حقيرا تلك شكاة ظاهر عنك عارها.
وقال إمام أهل الحديث في "الهند" بلا مدافعة السيّد صدّيق حسن القنوجى في "إتحاف النبلاء" بعد قول العصامي المذكور ما نصّه: يقول كاتب هذه السطور وقد كتب المولى علي القاري في ردّ من أورد عليها، وهو موجود عندي، بل عندي من مؤلّفاته من كتب الفقه والحديث زهاء أربعين كتابا،