وأغرب ابن حجر، حيث قال: ولعلّ حكمة عدم الإذن في الاستغفار لها إتمام النعمة عليه بإحيائها له بعد ذلك، حتى تصير من أكابر المؤمنين، أو الإمهال إلى إحيائها، لتومن به، فتستحقّ الاستغفار الكامل حينئذ. وفيه أن قبل الإيمان لا تستحقّ الاستغفار مطلقا، ثم الجمهور على أن والديه صلّى الله عليه وسلم ماتا كافرين، وهذا الحديث أصحّ ما ورد في حقِّهما. وأما قول ابن حجر: وحديث إحيائهما، حتى آمنا به، ثم توفيا، حديث صحيح.
وممن صحّحه الإمام القرطبي، والحافظ ابن ناصر الدين، فعلى تقدير صحته لا يصلح أن يكون معارضا لحديث مسلم، مع أن الحفَّاظ طعنوا فيه، ومنعوا جوازه أيضًا بأن إيمان البأس غير مقبول إجماعا، كما يدلّ عليه الكتاب والسنّة، وبأن الإيمان المطلوب من المكلّف إنما هو الإيمان الغيبي، وقد قال تعالى:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}، وهذا الحديث الصحيح الصريح أيضًا ردّ ما تثبّيث به بعضهم، بأنهما كانا من أهل الفترة، ولا عذاب عليهم، مع اختلاف في المسئلة، وقد صنّف السيوطي رسائل ثلاثة في نجاة والديه صلى الله عليه وسلم، وذكر الأدلة من الجانبين، فعليك بها إن أردت بسطها.
ثبت بهذا أنه لم يكن في بدء الأمر متشدّدا فيه، ولكنه فيما بعد تجاوز عن الحدّ، حيث قال في "شرح الفقه الأكبر": ووالدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر، هذا ردّ على من قال: إنهما ماتا على الإيمان، أو ماتا على الكفر، ثم أحياهما الله تعالي، فماتا في مقام الإيقان، وقد أفردت لهذه المسئلة رسالة مستقلّة، ودفعت ما ذكره السيوطي في رسائله الثلاثة في تقوية هذه المقالة بالأدلة الجامعة المجتمعة، من الكتاب والسنّة والقياس وإجماع الأمة.
ومن غريب ما وقع في هذه القضيّة إنكار بعض الجهلة من الحنفية على ما في بسط هذا الكلام، بل أشار إليّ أنه غير لائق بمقام الإمام الأعظم