وعن هذه المسامحات قال المحبي: ولولاها لاشتهرت مؤلّفاته بحيث ملأت الدنيا لكثرة فائدتها، وحسن انسجامها.
وبالجملة: كان رحمه الله من العُلماء، الذين اجتهدوا في نشر العلوم الظاهرة والباطنة، ونصر السنّة، وقمع البدعة، وعمّ النفع بهم، وكثرت حاجة الناس إلى كتبهم، ولذا عدّه المؤرّخون المحدِّثون من مجدّدى القرن العاشر، حيث قال العلامة الفقيه المحدّث الشيخ محمد عبد الحي اللكنوي في فتاواه: من يطالع "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر" يتضح عليه أن الشيخ شهاب الدين الرملي والملا علي القاري كانا من المجدّدين.
وقال أيضًا في "التعليقات السنيّة" ما نصّه: طالعت تصانيفه المذكورة كلّها مفيدة بلغت إلى مرتبة المجدّدية على رأس الألف، ولا شكّ أنه من مجدِّدي القرن العاشر، فإنه أحيى علوم التفسير والقراءة والحديث والفقه وغيرها بجمعها، وشرحها في كتبه المشهورة المقبولة، ولكنّه لا يساوي المجدِّدين المتقدّين، كما قال المولى على القاري بنفسه في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كلّ مائة سنة من يجدّد لها دينها.
إن المراد بمن يجدّد ليس شخصا واحدا، بل المراد به جماعة يجدّد كلّ أحد في بلد في فنّ أو فنون من العلوم الشرعية ما تيسّر له من الأمور التقريرية أو التحريرية، ويكون سببا لبقائه، وعدم اندراسه وانقضائه إلى أن يأتي أمر الله، ولا شكّ أن هذا التجديد أمر إضافي، لأن العلم كلّ سنة في التنزيل، كما أن الجهل كلّ عام في الترقِّي، وإنما حصل ترقِّي علماء زماننا بسبب تنزّل العلم في أواننا، وإلا فلا مناسبة بين المتقدّمين والمتأخّرين علما وعملا، وحلما وفضلا، وتحقيقا وتدقيقا، لما يقتضي البعد عن زمنه، عليه الصّلاة والسَّلام، كالبعد عن محلّ النور يوجب كثرة الظلمة، وقلّة الظهور، ويدلّ عليه ما في "البخاري" عن أنس مرفوعًا: لا يأتي على أمتي زمان إلا الذى بعده شرّ منه.