وما في "الكبير" للطبراني عن أبي الدرداء مرفوعًا ما من عام إلا وينتقص الخير فيه، ويزيد الشرّ. وما في "الطبراني" عن ابن عباس، قال: ما من عام إلا ويحدّث الناس بدعة، ويميتون سنة، حتى تمات السنن، وتحيا البدع، وهذه النبذة اليسيرة أيضًا إما هي من بركات علومهم ومددهم، فيجب علينا أن نكون معترفين بأن الفضل للمتقدّمين، رضي الله عنهم أجمعين إلى يوم الدين.
وبالجملة: فلا ينكر أن له أيادي بيضاء على المشتغلين بعلوم الدين في أنحاء المعمورة، وجلّ عمل الشيخ علي القاري التلخيص، وحسن الشرح، والتجريد، وكان منتهى أمره صرف عمره في التقرير والتأكيد، وهذا هو الفرق بين عمل المتقدّمين والمتأخّرين، كما ينقله عن القاضي أبي الخير ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي، المتوفى سنة ٢٥٨ هـ منبّها على مزايا المتقدّمين والمتأخّرين، حيث قال: كما أن المتقدّمين اجتهدُوا في التأسيس والتمهيد، فالمتأخّرين بذلوا وسعهم في التلخيص والتجريد، وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد.
ويليق بنا أن ننبّه هنا إلى أمر مهمّ، وهو أن فقه الحديث علم غامض، والمعتنون بهذا العلم والمبرّزون فيه من القدماء والمتأخّرين قليلون، والمولى علي القاري أن يعدّ في عدادهم، كفى به فخرا، قال المولى عبد العزيز الدهلوي في رسالته "العجالة النافعة": إن علم الحديث لما كان من قبيل الخبر، والخبر يحتمل الصدق والكذب، لابدّ في تحصيل هذا العلم من أمرين:
الأول: ملاحظة حال الرواة.
الثاني الاحتياط العظيم في فهم معافي الأحاديث، لأن المساهلة في الأمر الأول توجب التباس الكاذب بالصادق.، وعدم الاحتياط في الثاني يوجب اشتباه المراد بغير المراد، وعلى التقديرين لا تحصل الفائدة، التي ترجى