من علم الحديث، بل يحصل ضدّها الموجب للضلال والإضلال، معاذ اللّه من ذلك.
فالأمر الأول، أعني ملاحظة حال الرواة المخبرين، فكان لهم في الصدر الأول من التابعين، ومن تبعهم إلى زمن البخاري ومسلم طريقا آخر، حيث كانوا يبحثون عن أحوال رجال كلّ بلدة وزمان، ويفتّشون عنها، فمتى شمّوا في أحد منهم رائحة الكذب وسوء الحفظ وعدم التديّن لم يقبلوا حديثه، ومن ثم صنّفت دفاتر مبسوطة، كنب مضبوطة في أحوال الرجال. وأما اليوم فحاله على طريق آخر، ولذلك وجب التمييز بين الكتب المجرّدة الصحاح القابلة الاعتماد، وبين الكتب الواجبة الردّ والترك، لئلا يقع الطالب في ورطة التخليط، وقد فات هذا التمييز من كثير من المحدّثين المتأخِّرين، حتى خالفوا في رسائلهم جمهور السلف الصالحين، وتمسّكوا بأحاديث الكتب التي لا عبرة بها عند المحقّقين المبرّزين، والأمر الثاني أي الاحتياط في فهم معاني الأحاديث، فـ "مشارق الأنوار" للقاضي عياض يكفى لتوضيح معاني "الصحيحين"، و "الموطأ"، و "جامع الأصول" لابن الأثير يغني عن الأمّهات الستّ كلّها، و "مجمع البحار" يغني لتحقيق جميع كتب الحديث من الطبقات الأربع المذكورة، وشرح الشيخ عبد الرؤوف المناوي على "الجامع الصغير" للسيوطي كاف واف لشرح أكثر الأحاديث، ولكن كلام الشراح تنوع في شرحهم الأحاديث وتوجيهاتها كثيرا رطبا ويابسا، فليعلم الطالب رجالا، عليهم الاعتماد في هذا الشأن، وعلى كتبهم وتأليفهم التعويل والإيقان.
منهم: الإمام النووي شارح "صحيح مسلم"، والبغوي، وكتابه "شرح السنّة" كاف في فقه الحديث وتوجيه مشكلاته، حتى كاد يحصل منه شرح "المصابيح" و"المشكاة" كليهما، والخطّابى شارح "السنن" لأبى داود، وهؤلاء هم الشوافع، ومنهم: الطحاوي في شرح الأحاديث، وكتابه "معاني الآثار"