متسّك للحنفية، ومنهم: ابن عبد البر المالكي، مقدّم هذه الجماعة، وكتاباه:"الاستذكار" و "التمهيد" تذكرتان عنه.
وبالجملة فهؤلاء الأئمة قولهم هو المعتمد عليه، وكلامهم هو المرجع إليه، وإلا فشراح كتب الحديث كثيرون، يعسر عدّ أساميهم، وأسامي كتبهم، ولكلّ منهم شأن آخر، ولكنّهم مع ذلك آخذون من أولئك الأئمة، فإن تيسّرت لأحدكتب هولاء القوم ارتفعت حاجة الطالب عن تشويشات المتأخّرين، وتكلُّفاتهم الباردة في الدين، وللشيخ ولى الله المحدّث، رضي الله عنه قواعد عجيبة، وفوائد غريبة، لفهم معاني الأحاديث، ودفع التعارض من بينها، و "كتاب المغيث في مختلف الحديث" حسن بسن نموذجا في هذا الباب، وحصول ملكة التمييز لأحد ما بين صحيح الحديث وسقيمه، واستقامة الذهن، وسلامة الطبع، وعدم الميل إلى الخطأ، وقبول الصَّواب بقليل التنبيه، والإيماء نعمة عظمى، ودولة كبري، فإن العلم موارده كثيرة في العالم، وإنما العزيز هي الملكة المذكورة، فإنها الكبريت الأحمر، شعر:
رسائل إخوان الصفاء كثيرة … ولكن إخوان الصفاء قليل.
والمولى على القاري جمع في كتابه "مرقاة المفاتيح" جميع الشروح والحواشي، ولذلك أصبح شرحه المذكور أجمع الكتب، وأنفعها لحصول الملكة، وفهم معارف الحديث، ولكنه يلزم علينا هنا استعراض ما اختاره العُلماء المتأخّرين من انتقاء الأحاديث، وتبويبها في كتبهم، والعمل الجليل الذي قام به البغوي، ثم ما أصلحه، واستدركه الخطيب العمري على كتابه "مصابيح السنة"، وسماه "مشكاة المصابيح"، والكلام على شروحهما، وميزة الملا علي القاري في شرحه لنبرز بصورة واضحة الخدمات الممتازة، التي أدّاها العُلماء المتأخّرين بصورة عامة، والملا على القاري بصورة خاصة.