ثم يقرأ القرآن عشرة أجزاء، ثم يتوجَّه إلى أصحابه، ويلقي عليهم النسبة، فيشتغل بها إلى صلاة الإشراق.
ثم يصلي، ويتصدّر للتدريس، فيدرّس الحديث والتفسير إلى الظهيرة، ثم يأكل قدر ما يقويه على العبادة، ويقيل اتباعا للسنة السنية.
ثم يصلّي الظهر في أول وقته، ثم يدرّس الفقه والحديث والتصوّف إلى وقت العصر.
ثم يصلّي، ويتوجّه إلى أصحابه، كما كان يتوجّه إليهم أول النهار.
وكان يحيي ليله بالعبادة والقيام، إلا قدرا يسيرا من النوم، وكان نومه على مصلاه.
وقلما تخلو زاويته من خمسمائة رجل، يأكلون من مطبخه. انتهى.
وقال الشيخ مراد بن عبد الله القزاني في "ذيل الرشحات": إنه كان قليل المنام، وقليل الطعام، فإذا رأى أحدا من أصحابه في نوم الغفلة وقت التهجّد كان يوقظه، وكان الأغنياء يرسلون إليه أطعمة مطبوخة بالتكلفات، فلم يكن يأكل منها، بل كان يكره أكلها للطالبين أيضا.
وكان يقسمها على جيرانه، وكان يحيى أكثر الليالي بالذكر والمراقبة، وكان نومه قعودا على هيئة الاحتباء، ولم يكن يمدّ رجليه من غاية الحياء إلا قليلا، حتى كان موته على هيئة الاحتباء.
وكان من الحياء بمكان لم ينظر إلى وجهه في المرآة، فضلا عن النظر إلى وجوه الناس، وكان بعض أرباب الحاجة يأخذ شيئا من ملكه من غير إذنه، فإذا رآه أشاح بوجهه تغافلا عنه.
وكان بعضهم يأخذ كتابه، ثم يجيئون بذلك الكتاب للبيع عنده، فيعطى قيمته، ويأخذه، فإذا قال له شخص أحيانا: إن هذا الكتاب من كتبكم، وله علامة موجودة فيه، كان يمنعه بعنف، ويقول: إن كاتبا واحدا يكتب كتبا متعدّدة، فيجوز أن يكون مثله لا عينه.