واليأس، وقطع أمنيته عن الناس، فتوجّه إلى جناب مولاه إلى أن قرع سمعه نداء، لا تيأسوا من روح الله، وذلك أنه اتفق فتح سلطانية "بروسه" وورد الأمر من السلطان، بأن يوجّه لى أحد من المعزولين، ولم يوجد منهم إلا المرحوم، وشخص آخر، يبغضه الوزير المزبور أكثر من بغضه للمرحوم، فخاف أن يعطيها السلطان ذلك الشخص، فسارع في عرض المرحوم، فقبله السلطان، ثم ندم على ما فعله، ولم ينفعه الندم بعد ما زلّت القدم، وما أصدق مَنْ قال: إذا أتى وقت القضاء الغالب بادرت الحاجة كفّ الطالب، فذهب المرحوم إلى مدرسته، فشرع في الإفادة، وبيّض فيها ما كتبه على صدر الشريعة من أول كتاب الحجّ إلى آخر الكتاب، فلمّا مضى عليه سبع سنين أعطى إحدى المدارس الثمان، وقد قرأتُ عليه فيها نبذا من كتاب "الهداية"، ثم نقل إلى "مدرسة أيا صوفيه"، ثم نقل إلى "مدرسة السلطان سليم خان"، ثم فوّض إليه الفتوى بـ "أماسيه" في كلّ يوم بثمانين درهمًا، فلمّا مضى عليه خمس سنين انحرف مزاجه، وانكسر زجاجه، وهجمتْ عليه الأمراض، فانفصل عنه، وهو راض، وعيّن له الثمانون حسب ما هو العادة والقانون.
وتوفي رحمه الله في أول الربيعين من شهور سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة، وكان المرحوم بحر المعارف، ولجّة العلوم، واصلا إلى التحقيق، ومالكا لازمة التدقيق، مشاركا في العلوم العقلية، وبارعا في الفنون النقلية، خصوصًا في الفقه وبابه، فإنه من أكبر أربابه، وكان رحمه الله خليقًا بالمراتب العليّة، والمناصب السنيّة، إلا أنه خانه دهرُه، ولم يساعده عصرُه - عوّضه الله تعالى عن المراتب الدنيوية بالدرجات الأخروية -، وكان رحمه الله ذا خصائل رضية، وشمائل مرضية، متخلّقا بأخلاق الله، قانعًا باليسير من دنياه، شيخا