الزهد والعبادة والعفاف والقنوع والتوكّل والإيثار وسائر الأخلاقِ المرضيّة، ولقد أحلّه الله تعالى من الولاية محلا لا يرام ما فوقه، وهدى به في عهده، ثم بأصحابه من بعده خلقا لا يحصيهم إلا من أحصى رمل عالج، فلا ترى ناحية من نواحي المسلمين من بلاد "الهند"، إلا وقد نمت فيها طريقته، وجرى على ألسنة أهلها ذكره، إليه ينتمون، وبه يتبرّكون.
وكان إماما مجاهدا زاهدا صاحب الترك والتجريد، يقوم الليل، ويصوم النهار، لم ينكح امرأة، ولم يبن دارا، ولم يدّخر شيئا، ولم يرض بلقاء الملوك والسلاطين، مع إلحاحهم على ذلك، وشدّة توقهم إليه.
قال الكرماني في "سر الأولياء": إن جلال الدين فيروز الخلجي كان يريد أن يلاقيه، وهو يمنعه من ذلك، فأراد أنه يدخل عليه بغتة بغير إذن، فلمّا اطلع الشيخ على ذلك خرج من "دهلى"، وذهب إلى "أجودهن" قبل أن يحضر الملك عنده.
وكذلك أرسل إليه علاء الدين محمد شاه الخلجى كتابا يشتمل على بعض مهمّات الأمور، ودعاه يستشيره في بعض المصالح، فأبى، وقال: إن كان السلطان لا يحبّ أن أقيم في ملكه، فيظهر ذلك من غير تورية، فإن أرض الله واسعة، فأرسل إليه السلطان ابنه، واعتذر من مخاطبته إياه في تلك الأمور، واستأذن في حضوره لديه، فأبى الشيخ، ولما أصرّ السلطان على ذلك، قال: إن في دارى بابين، يدخل السلطان من باب، وأخرج من الباب الآخر.
ومن ذلك ما روي أن قطب الدين بن علاء الدين الخلجي كان معتادا أن يحضر العلماء والمشايخ في غرّة كلّ شهر للتهنئة، وكان الشيخ لا يذهب بنفسه النفيسة، بل يذهب خادمه إقبال نيابة عنه، فاغتاظ السلطان منه، وقال: إن لم يحضر الشيخ بنفسه في الشهر القابل نفعل به ما نشاء، فاغتمّ