الناس، وكانوا يتناجون بينهم، والشيخ كان جذلا، رخي البال، فارغ الخاطر، لا يرى عليه أثر الحزن، حتى استهلّ الشهر، وقتل السلطان المذكور في تلك الليلة.
قال الكرماني: إن غياث الدين تغلق شاه لما استقلّ بالملك حرّضه بعض العلماء على أن ينكر على الشيخ استماع الغناء، والسلطان يتأخّر عنه، ويقول: كيف أجترئ على ذلك؟ فإنه مع جلالته في العلم والعمل والتقوى والعزيمة كيف يرتكب الحرام، فعرضوا عليه الفتوى التى رتّبها الفقهاء على القاضي حميد الدين الناكوري في استماع الغناء، فأمر السلطان بإحضار الشيخ للمناظرة بمحضر من الناس، فقبله الشيخ، وحضر ذلك المجلس المحفوف بالعلماء والمشايخ والصدور والقضاة، فأقبل عليه القاضي جلال الدين الولوالجي، وطفق يطعن عليه، ويشنّع عليه استماع الغناء، وكان الشيخ يسمعه بالتحمّل والسكينة، حتى أخذ القاضى في الزجر والتوسّع إلى الغاية، فقال الشيخ: لعلك تقول ذلك بلسان الحكومة، وإنك معزول عنها، فسكت القاضي.
وقيل: إنه عزل عن خدمته بعد اثنى عشر يوما، ثم أقبل عليه حسام الدين شيخ زاده، ونحا نحو القاضي المذكور، فقال الشيخ: إن ذلك الكلام بمعزل عن دأب المناظرة، فليكن عمود البحث متعيّنا أولا، ثم سأله عن معنى الغناء، فقال: لا أدري ما هو، ولكنّي أعلم أنه حرام عند العلماء، فقال الشيخ: إن كنت لا تعلم ما هو فلست لي بالمخاطب في البحث والمناظرة، ثم كثر اللغط.
وقال القاضى كمال الدين: إنه صحّ عن الإمام الأعظم أنه قال: السماع حرام، والرقص فسق، فقال الشيخ: كلا! لم يصحّ ذلك عن الإمام.
ثم جاء الشيخ علم الدين سليمان الملتاني، فرفع السلطان تلك القصّة إليه، وحكمه في ذلك، فقال: إني صنّفت في ذلك رسالة، وبيّنت