فلم يقبل، فضج الناس، واجتمعوا عليه، وأخذوا في شتمه وإظهار الشكاية منه، ومن ظلمه وتتابع الناس من أرجاء الجامع، وأكثروا من سبّه، وأطلقوا الألسنة فيه، وفي الشيخ محمد بن سعد الدين وأخيه، ونسبوها إلى التقصير في ذلك، ثم خرج القاضى هاربًا من باب العنبرانيين، وتبعه أكثر الناس بعضهم يرجمه بلسانه، وبعضهم بيده، حتى أن بعضهم ضربه بيضة، فانكسرت على ثوبه، فالتجأ إلى بعض الدور، حتى رجع الناس عنه.
وأما الشيخ محمد بن سعد الدين وأخوه، فإنهما خرجا من باب جيرون، وتبعهما جماعة يصيحون، فردهم النقباء والفقراء عنهما، وقالوا لهم: الحقوا القاضي، ثم لما أصبح القاضى أمر بكتابة عرض ومحضر في تخفيف العوارض، وجمعها دينارًا واحدًا، وأظهر إرادة العدل، وفيه عمل أبو المعالي درويش محمد الطالوي قصيدته السائرة، يشير فيها إلى حادثته هذه، ومطلعها:
إن الكمال على زيادة نقصه … مولى يجود بنفسه للمجتدى
فإذا أتاكم فاسق فتبينوا … من حاله والله يجزى المعتدى
يقعي جلوسًا وسط مجلس حكمه … كيما يسكن حكة في المقعد
وإذا مشى أدلى بواسير إسته … من خلفه تحكى أفاعي مربد
مثل الرشاء طويلة أذنابها … ما بين ذى ذنب أحد وأورد
تنساب فوق نقى يباح صريمه … سيان فيه رائح أو مغتد
مكمدة ألوانها مسودة … حمر الرؤوس لها لسان مبرد
قد أثخنت فيه الجراح وجرحت … منه الفقاح فسبرها بالمرود
تلتف في شعر تداخل بعضه … في بعضه جعد أو غير مجعد
فكان عرفجة هناك تفرعت … وأصولها ساخت بأرض قردد
تسقى بماء آسن فكأنها … مطروقة عين ببرقة نهمد
وعلى المحيا إذ يحيى مسحة … من سام أبرص خاف لسع الأسود
فاصفر بل قالوا دنانير الرشا … من أكلها صبغته لون العسجد