للسلام على قاضي القضاة، وكان أول اجتماعه به، قال: فتقدمت، وقبلت يده، وقلت له: يا مولانا هذا السلام المجازي يريد أن سلامي عليكم هنا مجازي للملاقاة، وأما السلام الحقيقي فهو أن أحضر إلى خدمتكم، فلما ذهبت إلى بيته رآني مقبلًا، فلما صافحته، قال لي: هذا السلام الحقيقي، فلمح إلى قول أبي العلاء، ومن بـ"العراق"، قال: وأهديت إليه هدية من قلب الفستق واللوز والصنوبر، وكتبت إليه
لما تملك قلبي حبكم فغدا … مجردا فيه قلبًا رق واستعرا
يقبل اليد الشريفة، ويلثم الراحة اللطيفة، وينهى أنه أهدى ما يناسب إهداؤه لأرباب القلوب، ويلائم إرساله لأصحاب الغيوب، فقدم العبد رجلًا، وأخر أخرى في أن يهدي إلى جنابكم الشريف منه قدرًا، علما منه بأنه شيء حقير، لا يوازي مقامكم الخطير، وقد توارى بالحجاب حيث وافاكم، وهو حسير، وما مثل من يهدي مثله إلى ذلك الجناب إلا كالبحر يمطره السحاب، ثم إنه تهجم بإهداء هذا القدر اليسير، فإن وقع في حيز القبول انجبر القلب الكسير، ولا يعزب عن علم مولانا بلغه الله أملا النمل يعذر في القدر الذي حملا، قال: ثم اجتمعت بعد ذلك بجنابه، فقال لي: ما يقول الإنسان في هدية كلها قلب، وأنشدني بديها:
بحسم أقسم أني امرؤ … صديق حميم بقلبي محب
وأخذ بـ"القاهرة" عن المسند الحافظ النجم الغيطي صاحب "المعراج"، والشيخ الإمام أبي النصر الطبلاوي، والإمام العلامة على بن غانم المقدسي، والحافظ الكبير الجمال يوسف بن القاضى زكريا، وغيرهم، وصحب القاضى بدر الدين القرافي المالكى، والشمس محمد الفارضي، وله معهما مفاوضات أدبية، أوردها في "رحلته".