وكان بينه وبين السري ابن الصائغ رأس الأطباء بـ"مصر" مودّة أكيدة، ووقع بينهما محاورات، منها: أنه كان حصل لصاحب الترجمة دمل احتاج إلى العلاج، فكتب إلى السري أيها الرئيس البارع، والبدر الذى في أفق البلاغة طالع، ذو الحكمة، التي أعيا بها جالينوس، والحذاقة التى حار فيها أبقراط وبطليموس، أشكو إليك دملا أبطأ فجره، وآلم ضره، وأضمر عامله، لا على شريطة التفسير، وحصل منه ألم كثير، فتفضلوا بما يبرز ما استكن فيه على عجل، وبما ركب علاجا لتنازع ما فيه من العمل، بحيث يصير هذا المضمر مبينًا على الفتح لنطق الألسنة بالدعاء، وتعرب عن أفعال المدح، فأرسل إليه شيئًا يلائم ذلك، وكتب جوابه: هل لك أيها الممتزج بالروح امتزاج الماء بالراح المهدي إلى النواظر التنزه، وإلى النفوس الارتياح الداعى برسالته المعجزة الألفاظ إلى جنة ناضرة المبرز بدلالته وجوه المعاني الناضرة إلى عيون البيان الناظرة، لا زالت أزمة الرغبات منقادة منا إليك، ونواصى البلاغات معقودة أعنتها بيديك والفصاحة، لا تمد سرادقاتها، ولا تقصر مقصوراتها إلا عليك.
ودمت إلى كل القلوب محببا … وفي كل عين شاهدتك حبيبها
في بناء ذلك الدمل العاصى عن الاندمال على الفتح، ونصب ثناء العامل من الأدوية على المدح والدخول على جميع مادته بصورة التكسير وتصريفها بالتحويل إلى وضعيات التغيير، وإرخاء الشد، كيلا يكف الدواء، ولا يلغى عامله وتقوية المعمول بالتجلد على التأثير، الذي ارتفع فاعله، فبذلك إن شاء الله تعالى تفتر ثغوره، وينبسط على جلد الجلد غوره، والله يديم معاهد الفضل بك آهلة، والفضلاء من مناهلك ناهلة، والنبلاء في ظلال ظلك قائلة، لتكون ألسنتهم بأحامد المحامد فيك قائلة، آمين.
وأقام صاحب الترجمة بـ"مصر" مدة، وولي بها قضاء فره، ثم رحل إلى "الروم"، وولي قضاء "حمص"، و"حصن الأكراد"، و"معرة النعمان"، و"معرة