وكانت ولادته في أواسط شهر رمضان سنة تسع وأربعين وتسعمائة، وتوفي سحر يوم الأحد، الثالث والعشرين من شوال، سنة ست عشرة بعد الألف، وصلى عليه ظهر اليوم المذكور بالجامع الأموي، وحضر للصلاة عليه قاضى القضاة بـ"الشام" المولى إبراهيم بن علي الأزنيقى، وحمل في جنازته، وتأسف على أخلاقه العلماء، ودفن بالمدفن قبالة الجانب المحاذي لجامع جراح خارج باب الشاغور، وكان آخر درس أقرأه أو وقف عليه قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، وأرخ عام وفاته بعض الفضلاء بقوله: آها آها مات المفتى، ورثاه جماعة، منهم: الشيخ عبد الرحمن العمادي، نظم في رثائه قصيدة بليغة، مطلعها:
قامت قيامة مفتينا وقاضينا … لا بل قيامة دانينا وقاصينا
مصاب علم أضاع القلب متصدعا … ورزء مجد أطار العقل مفتونا
قد فت من عضد العليا وقلص من … ظلالها بعد ما مدت لنا حينا
بادرت فيه إلى الإنكار مذ طرقت … سمعي أحاديثه شكا وتخمينا
حتى إذا صدع الشك اليقين به … وصح ماكان عند الصب مظنونا
وصار لا طعن لي فيه أحاوله … رجعت من نصله في القلب مطعونا
أوهى عماد القوى زلزال صدمته … وصادفت من خلو القلب تمكينا
تبت يدا ذا الردى أودى لنا بندي … كف تكف العدا عنا وتكفينا
فليت كل محب دولة وغني … فدا محب فنون العلم والدنيا
أمات حساده من قبل موتته … وهكذا دائمًا تلفى العرانينا
فحل لبكر المعاني العين مفترع … قد عنست بعد مهما تلق عنينا
يا طالبا للندى والعز خب أملا … من بعده قد لزمت العدم والهونا
مضى الجواد الذي كانت مكارمه … تريشنا إذ صروف الدهر تبرينا
صرنا معاشر أهل الشام سائبة … مباحة غاب راعينا وحامينا