صدورهما، ثم أخذ البول والرماد، فجعل على تلك الجراحات فأقرّا على أنفسهما أنهما لم يقصدا إلا ما قاله السلطان، واعترفا عند القاضي، فسجّل على العقد، وكتب فيه أن اعترافهما كان من غير إكراه وإجبار، فقتلا.
ومن أعظم ما نقم عليه: إجلاءه لأهل "دهلي" عنها، وسبب ذلك: أنهم كانوا يكتبون بطائق فيها شتمه وسبّه، ويكتبون عليها وحقّ رأس السلطان ما يقرؤها غيره، ويرمون بها في القصر ليلا، فإذا فضّها وجد فيها شتمه وسبّه، فعزم على تخريب "دهلي"، واشترى من أهلها جميعا دورهم ومنازلهم، ودفع لهم ثمنها، وأمرهم بالانتقال إلى "دولت آباد"، فأبوا ذلك، فنادى مناديه أن لا يبقى بها أحد بعد ثلاث، فانتقل معظمهم، واختفى بعضهم في الدور، فأمر بالبحث عمن بقي بها، فوجد عبيده بأزقّتها رجلين: أحدهما مقعد، والآخر أعمى، فأمر بالمقعد، فرمي بالمنجنيق، وأمر أن يجرّ الأعمى من "دهلي". إلى "دولت آباد" مسيرة أربعين يوما، فتمزّق في الطريق، وقضى نحبه، ولما فعل ذلك خرج أهلها جميعا، وتركوا أثقالهم وأمتعتهم، وبقيت المدينة خاوية على عروشها، ثم كتب إلى أهل البلاد أن ينتقلوا إلى "دهلي" ليعمروها، فخربت بلادهم، ولم تعمر "دهلي" لاتّساعها وضخامتها.
وذلك قليل من كثير من فتكاته، نقلتها من "كتاب الرحلة" للشيخ محمد بن بطوطة المغربي الرحَّالة، وهو قد دخل "الهند" في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، فأكرمه محمد شاه، وولاه القضاء بمدينة "دهلي".
ولابن بطوطة قصيدة في مدح السلطان، منها: قوله:
إليك أمير المؤمنين المبجّلا .... أتينا نجد السير نحوك في الفلا
فجئت محلا من علائك زائرا .... ومغناك كهف للزيارة آهلا
فلو أن فوق الشمس للمجد رتبة .... لكنت لأعلاها إماما مؤهّلا
فأنت الإمام الماجد الأوحد … الذي سجاياه حتما أن يقول ويفعلا
ولي حاجة من فيض جودك أرتجي .... قضاها وقصدي عند مجدك سهلا