٣. قد رويِ عن الشافعي أنه قال: قال الإمام محمد بن الحسن: أيهما أعلم صاحبنا أو صاحبكم -يعني أبا حنيفة ومالكا رضي الله عنهما،- قال: قلت على الإنصاف؟ قال: نعم، قلت: فأنشدك الله من أعلم بالقرآن، صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قلت: فأنشدك الله، من أعلم بالسنة، صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم. قلت: فأنشدك الله من أعلم بأقاويل الصحابة والمتقدمين، صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قلت: فلم يبق إلا القياس، والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء، فعلى أيّ شيء يقيس؟
قال شيخنا البحَّاثة المحدّث الناقد عبد الرشيد النعماني رحمه الله تعالى في تعليقه على "مقدمة كتاب التعليم": هذه الحكاية تروى بألفاظ مختلفة غاية الاختلاف، وعلى معان متباعدة كلّ التباعد، وآفة هذه الروايات المضطربة كلّ الاضطراب عن قصة واحدة، هى أهواء رواتها كما صنع النقاش صاحب "شفاء الصدور" في سياق قصة أبي يوسف مع أبي حنيفة في قراءة المغازي.
وأول من حكى هذه القصة فيما نعلم هو ابن أبي حاتم، فإنه قال في مبدء كتابه "تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل": قال ابن أبي حاتم بعد إيراد هذه القصة مع السند: فقد قدم محمد بن الحسن مالك بن أنس على أبي حنيفة، وأقر له بفضل العلم بالكتاب والسنة والآثار، وقد شاهدهما، وروى عنهما.
قال شيخنا النعماني رحمه الله تعالى: هذه الحكايات بهذا السياق منكرة، وشواهد الحال تكذبها، كيف! ولو علم محمد هذا عن أبي حنيفة لما أفنى عمره في فقه أبي حنيفة، ولا سلك في كتابه "الحجة على أهل المدينة" هذا المسلك المشهود.