وأبو أسامة وعيسى بن يونس، ولم يذكروا فيه أنه خرج ميتا. وإنما قالوا: سئل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن الجنين، يكون في بطن الجزور أو البقرة أو الشاة، فقال: كلوه، فإن زكاته زكاة أمه، ورواه أيضًا ابن أبي ليلى عن عطيه عن أبي سعيد عن النبي صلَّى الله عليه وسلم.
وكذلك قال: كل من يروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ممن قدمنا ذكرهم، ولم يذكر واحد منهم أنه خرج ميتا، ولم تجئ هذه اللفظة، إلا في رواية الساجي، ويشبه أن تكون هذه الزيادة من عنده، فإنه غير مأمون، وقد كشف أبو بكر الرازي هكذا الستار عن وجه الساجي ببيانه النير، فتبين بذلك أن الساجي حينما قال عن ابن شجاع (إنه كذاب، احتال في إبطال الحديث ورده، نصرة لإمامه) إنما حاول رمي محمد بن شجاع بدائه نفسه من غير أيّ دليل، فيسكت الساجي هكذا من مقام التعويل، وإن تلطّف أبو بكر الرازي في التعبير جاعلا الحجّة هي التي تنطق، هكذا تكون تسوية الحديث على موافقة المذهب، نسأل الله السلامة.
فإن ميل: للساجي متابع في "سنن الدارقطني" حيث يقول: (حدثنا أبو بكر الشافعي، نا ابن ياسين، نا بندار، نا يحيى القطّان، عن مجالد، عن أبي الودّاك، عن أبي سعيد، أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سئل عن الجنين يخرج ميتا، قال: إن شئتم فكلوه … ).
أقول: ابن ياسين هو أحمد بن محمد بن ياسين الهروي المتوفى سنة ٣٣٤ هـ، ولم يدرك بندارا، وهو محمد بن بشّار المتوفى سنة ٢٥٢ هـ، فيكون بينهما الساجي، حتى يتصل السند، أسقطه من أسقطه، ليوهم أن ابن ياسين معروف بالكذب. فيستغرب إخراج الدارقطني لهذا الحديث في "سننه" من غير تنبيه على ما فيه، ومن هذا يعلم أن داء القوم مما لا دواء له، غير مسيار يختبر به غور الجرح المهلك فيهم، والله سبحانه وتعالى هو الهادي.