وكان عالمًا متضلعًا من علوم شتى، إلا أن دعواه كانت أكبر من علمه، وكان يزعم أن من لم يقرأ عليه ويحضر درسه فليس بعالم، وكان كثير اللهج بذكر شيخه ابن الحنبلي المذكور، والإطراء في الثناء عليه، وإنما يقصد بذلك التميز على أقرانه والانفراد عنهم به.
وكانت بينه وبين رفيقه النابلسي والمنلا أسد مهاجرات بسبب المناظرة والمباحثة، حتى يؤدي ذلك إلى المنافرة، وكان النابلسي يلائمه، ويأخذ بخاطره، لأنه كان أنبل منه وأوسع جاها، وأطلق لسانًا، وكان كثير المخاصمة والجدال، يحبّ التصدّر على أعلام الشيوخ في المجالس الحافلة، ويتمثل بأشعار الجاهلية وغيرهم، كقول سحيم:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا … متى أضع العمامة تعرفوني
وقول أبي الطيب:
أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت … وإذا نطقت فإننى الجوزاء
وكان كثيرًا ما يلهج بأبيات أبى العلاء المعري من قصيدته اللامية المشهورة:
إذا وصف الطائي بالشح مادر … وعير قسا بالفهامة باقل
وطاولت الأرض السماء سفاهة … وفاخرت الشهب الحصى والجنادل
وقال السهي للشمس أنت خفية … وقال الدجى للصبح لونك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة … ويا نفس جدي إن دهرك هازل
وكان إذا وصل إلى قوله: وقال السهي للشمس يضع يده على صدره، مشيرًا إلى نفسه، إلى غير ذلك، وكان مع ما اتصف به من التفاخر مبغضا لمن يتصف بفضيلة، وجرى له في أيام سليمان باشا ابن قباد بن رمضان لما كان نائبًا بـ "دمشق" في سنة تسع وثمانين وتسعمائة أنه تعصب على الشمس محمد بن محمد بن داود المقدسي الآتي ذكره بسبب قراءة الحديث بالجامع الأموي بين العشاءين على أسلوب الأستاذ الكبير محمد بن أبي الحسن