فَلَمَّا شاهدوا الويل سَالَتْ عبراتهم كالسيل، وَأخذُوا فِي الاسْتِغْفَار والاستحلال، وشرعوا فِي التضرّع والابتهال، وطلبوا من الله الْخَلَاص، واجتهدوا فِي طَرِيق المناص، إلا أن إرادة الْجَبَّار ساقت الْمركب نَحْو التيار، فَلم يمُكن لذَلِك الفوج إلا الدُّخُول فِي الموج.
مَا كل مَا يتَمَنَّى الْمَرْء يُدْرِكهُ … تجْرِي الرِّيَاح بِمَا لَا تشْتَهي السفن
فَلَمَّا انصب الماء عَلَيْهم، وانقض تلو قَوْله تَعَالَى:{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}، وَلما ارْتَفَعت تِلْكَ الطامة، وَفتح أعينهم الْخَاصَّة والعامة، تفقد كل امْرِئ صَاحبه ورفيقه ومصاحبه، فإذا المرحوم وَفرْقَة من رفقته وأرباب صحبته، فقدوا وَلم ير لَهُم أثر، وَلم يسمع عَنْهُم خبر:
كَأَن لم يكن بَين الحْجُون إلى الصَّفَا … أنيس وَلم يسمر بِمَكَّة سامر
وَحكي أنه كَانَ رَحمَه الله قَاعِدا فِي كوثل السَّفِينَة مَعَ سَبْعَة عشر نَفرا من أصحابه وخلاصة أحزابه، فَلَمَّا غشيهم من اليم مَا غشيهم، وأحاطهم ذَلِك الموج الْكَبِير، رمى بالكوثل إلى الْبَحْر، مَعَ من بِهِ من الْكَبِير وَالصَّغِير،