وأقامهم في الحبس ستة أيام، ثم أخرجهم بأسرهم، وخلّي سبيلهم غير الشيخ، فإنه أمر بضربه، فضرب على ذلك، ثم نفاه من الحديدة، ثم أنه عاود مرة أرض قومه، فدخل نواري من بلاد "السند"، وأقام بها ليالي معدودات، ثم هزّه الشوق إلى بلاد العرب، فعطف إليها عنانه، ثم رزقه الله تعالى العود إلى "المدينة"، وأقام بها في غاية ما يكون من العزّ، وولي رياسة علمائها من قبل والي "مصر"، ولم يزل مجتهدا في العبادة وإقامة السنن والصبر على الجفاء ونصح الأمة وخفض جناحه عليهم ونشر علومه، حتى لقي الله عزّ وجلّ، كما في "اليانع الجني".
وقال القاضي محمد بن علي الشوكاني في "البدر الطالع": إنه خرج إلى بندر الحديد مع عمّه، وكان عمه مشهورا بعلم الطبّ مشاركا في غيره، وصاحب الترجمة له اليد الطولى في علم الطبّ، ومعرفة متقنة بالنحو والصرف وفقه الحنفية وأصوله، ومشاركة في سائر العلوم، وفهم صحيح سريع، طلبه خليفة العصر مولانا الإمام المنصور بالله إلى حضرته العلية من الحديدة، لاشتهاره بعلم الطبّ، فوصل الحضرة، وانتفع جماعة من الناس بأدويته، وكان وصوله إلى "صنعاء" سنة ١٢١٣ هـ، وتردّد إليّ، وقرأ على في "هداية الأبهري"، وشرحها لـ"لميبذي" في الحكمة الإلهية، فكان يفهم ذلك فهما جبّيدا مع كون الكتاب وشرحه في غاية الدقّة والخفاء، بحيث كان يحضر حال القراءة جماعة من أعيان العُلماء العارفين بعدة فنون فلا يفهمون غالب ذلك، ثم عاد إلى "الحديدة" في شهر شوّال من تلك السنة بعد أن أحسن إليه الخليفة، وقرّر له معلوما نافعا، وكساه، ونال من فائض عطاه، ثم تكرّر وفوده إلى "صنعاء" مرة بعد مرة في أيام الإمام المنصور، كما ذكرنا، ثم في أيام الإمام المتوكِّل، ثم في أيام مولانا الإمام المهدي، وأرسله إلى "مصر" إلى الباشا محمد على بهديته منها فيل، وكان ذلك سنة