الحركة ومركزها، وأصبحت له الشغل الشاغل، اشتغل بإدارة ندوة العُلماء وتحقيق مشاريعها وأهدافها، ووقع بينه وبين بعض زملائه من أعضاء الندوة خلاف في بعض المسائل التعليمية والإدارية، ولجت به الأمراض، واعتراه الضعف، وجذبته دواعى الشوق وتربية النفوس، وحبّ العزلة، فقدم استقالته عن إدارة ندوة العُلماء، وقبلت مع التأسّف لسبع بقين من ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وثلاثماثة وألف، واعتزل في زاويته في مدينة "مونغير". في ولاية "بهار"، فأقبلت عليه الدنيا، وقصده الراغبون في الإصلاح والتربية من كلّ جانب، وصار المقصد والمرجع في هذا الشأن.
وفي هذه الفترة زحفت القاديانية على ولاية "بهار" بقوة وعزم، واضطربت عقيدة كثير من المتعلّمين والموظّفين، فنهض مولانا محمد علي، وصمد لها، يقاومها بالدعوة والمناظرة، وأصبح لا يهدأ له بال، ولا يقرّ له قرار.
يؤلّف الرسائل والكتب في الردّ عليها، ويكتب الكتب إلى أصحابه، ويحثّهم على ممَاومة هذه الفتنة، وبذل النفس والنفيس في هذا الشأن في سبيلها، ويؤثر ذلك على النوافل والطاعات، والأوراد والأذكار، ويعتقده أفضل الأعمال وأعظم القربات، وقد ألّف نحو مائة مؤلّف بين رسالة وكتاب كبير، طبع منها أربعون كتابا باسمه، وطبع أكثرها باسم غيره، ووقعت مناظرة بين علماء القاديانية وبين علماء أهل السنة في سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف، واهتمّ لها مولانا محمد على اهتماما كبيرا، ولقيت القاديانية في هذه المناظرة هزيمة منكرة، وتراجعت، وخلا الجو.
وعكف مولانا محمد علي على الذكر والعبادة وتربية النفوس، وانقطع إلى الإرشاد والتعليم، وتأليف الكتب في الردّ على أهل الأهواء والبدع، مع استغناء وتوكّل، وزهد وقناعة، وبذل وسخاء، ومالت إليه قلوب العباد، وتهافت عليه الناس.