واكتشفت الحكومة الإنكليزية المؤامرة، وعرفت قضية الرسائل الحريرية، فصرفت عنايتها إلى القبض على زعيم هذه الحركة وقطب رحاها، وكان الشريف حسين أمير "مكة" قد خرج عن الدولة المتبوعة العثمانية، وثار عليها بتحريض الدولة الإنكليزية، فأوعزت إلى الشريف بإلقاء القبض عليه وتسليمه إلى الحكومة الإنكليزية، فألقى القبض عليه في صفر سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف، ومعه المولوي حسين أحمد الفيض آبادي، والحكيم نصرت حسين الكوروي، والمولوي عزيز غل، والمولوي وحيد أحمد، وسافر هؤلاء في الثامن عشر من ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف إلى "مصر"، ومنها إلى "مالطه"، حيث وصلوا سلخ ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف.
ولبث الشيخ في "مالطه" نحو ثلاث سنوات وشهرين صابرا محتسبا، عاكفا على الذكر والعبادة، منصرفا إلى التربية والإفادة، راضيا بقضاء الله وقدره، ومات الحكيم نصرت حسين في المنفى، وأطلق سراحهم لليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف، ووصل إلى "الهند" في عشرين من رمضان سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف مكرّما مبجّلا، قد مالت إليه القلوب، وتطلعت إليه النفوس، وقد غلب لقب شيخ الهند، على اسمه، فاشتهر في العامة والخاصة، واستقبل استقبالا عظيما في كل بقعة نزل فيها أو مر بها، وتقاطر الناس لاستقباله وزيارته، واحتفل به أهل وطنه احتفالا كبيرا، وكان قد أضناه الأسر، ووهنت قواه لمقاساته للأمراض ومعاناته للمشقّة والمجاهدة، ولكنه لم يستجم من عنائه، ولم يستقرّ في وطنه، بل قام بجولة في مدن "الهند"، وسافر إلى "علي كره"، ووضع حجر أساس الجامعة الإنكليزية الإسلامية، وألقى الخطب، وأصدر الفتاوى، ودعا إلى مقاطعة الحكومة الإنكليزية، ورجع إلى "دهلي"، واشتدّ به المرض والضعف، حتى وافاه الأجل في الثامن عشر من ربيع الأول سنة تسع