"أصفهان"، ومنها إليها، ولما مرّ على بلاد العجم خرج لملاقاته ميرزا صائب الشاعر المشهور، وأهدى إليه المنتخبات من شعره، وصحب في هذه الرحلة علماء "سمرقند" و"بلخ" ومشايخها، واجتمع بهم، ثم قصد ثانيًا العود إلى "بغداد"، فعاد، واستقام بها مدة.
ثم عزم على التوجّه إلى "مكة المكرمة" ثانيًا، فتوجّه، وبعد أداء الحج والنسك والزيارة مر على "مصر القاهرة"، ومنها، وفد إلى "دمشق"، وقطن بها، وكان دخوله ووفوده إليها بعد الثمانين وألف، وأقبلت الناس عليه بـ"دمشق" بالتعظيم والاعتقاد والمحبة، لما جبل عليه من الزهد والإيثار والعبادة والتحقيق في العلوم.
ففي سنة اثنتين وتسعين وألف قصد التوجّه لبلاد "الروم"، فارتحل إلى دار الملك "قسطنطينية"، فلمّا وصل أقبلت عليه علماؤها وصلحاؤها ومشايخها ومواليها، وأخذوا عنه الطريقة، وتلقنوا منه الذكر، واعتقدوه، وصار له تعظيم وتبجيل، ثم استقام بها بمحلة أبي أيوب الأنصاري، قدّس سرّه مقدار خمس سنين، وفي سنة سبع وتسعين عاد إلى "دمشق"، فبعد مدة قصد التوجّه إلى "الحجاز" إلى "مكة المكرمة" ثالث مرة، وكان ذهابه في غير وقت الحج، بل ذهب وحده هو ومن معه بلا قافلة، إلى أن وصل إلى هناك، وجاور سنة واحدة، وعاد إلى "دمشق"، ثم حج في سنة تسع عشرة ومائة وألف رابعًا، وعاد إلى "دمشق" أيضًا.
وكان في "دمشق" معتقدًا ملاذًا مفيدًا مكرَّمًا مكرِّمًا، تحترمه أهاليها، وله مزيد من التعظيم عندهم، وكانت الحكام تهابه، وهو مقبول الشفاعة عندهم، وكان موقرًا، وأخذ من السلطان مصطفى خان قرى بـ"دمشق" إقطاعًا بمال، يدفعه للخزينة الميرية في كل سنة، وهو الآن المعروف بالمالكانات، وكان الجد أول من وجه له ذلك بهذه الطريقة، وهي الآن علينا،