"أزنيق" إلى بَلْدَةْ "قسطنطينية" فِي حَيَاة الْوَزير الْمَزْبُور، فَذهب إليه رَاكِبًا على بغلته، وتلامذته يَمْشُونَ قدامه، مِنْهُم الْمولى سراج الدّين الْمَذْكُور، وَالْمولى بهاء الدّين المرحوم، وَكَانَا مدرسين حِينَئِذٍ بالمدارس الثمان، وَمِنْهُم الْمولى مصلح الدّين اليارحصاري، وَكَانَ هُوَ مدرسا بمدرسة مُرَاد باشا بِمَدِينَة "قسطنطينية".
فَلَمَّا رَآهُ الْوَزير بِهَذِهِ الأبهة والجلال تحير، واستقبله إلى بَابه، وأجلسه مَكَانَهُ، وَجلسَ هُوَ قدامه، والتلامذة قائمون على أقدامهم، فَتحدث مَعَه سَاعَة، ثمَّ قَامَ، وأخذ هَؤُلَاءِ الأكابر بركابه، وَمَشوا قدامه إلى بَيته، وتأوه الْوَزير.
وَقَالَ: مَا قَدرنَا على كسر عرضه، وَمَا علمت أن عزته بِالْعلمِ لَا بالمنصب، وَكَانَ السَّبَب لمجيئه إلى "قسطنطينية" أن الْوَزير الْمَذْكُور حرض الْمولى خطيب زَاده، حَتَّى طلب المباحثة مَعَ الْمولى خواجه زَاده، فَقَالَ خواجه زَاده: إنه يباحث أولا مَعَ تلامذتي، فإن غلب عَلَيْهِم يباحثني، فَسمع الْمولى خطيب زَاده ذَلِك الْكَلَام، فاتهمه بالإحجام عَن المباحثة، وسَمعه الْمولى خواجه زَاده، وأرسل إلى "أزنيق" خَادِمًا أن يَجِيء بكتبه إليه، فَذهب المرحوم سِنَان باشا إلى الْوَزير الْمَذْكُور، فَقَالَ: هَل تُرِيدُ كسر عرض خطيب زَاده؟ قَالَ: لَا، قَالَ: إن خواجه زَاده بعد تكميل مطالعته لَا يُمكن لأحَد أن يتَكَلَّم مَعَه، فَقَالَ الْوَزير: الأمر هَكَذَا؟ قَالَ: نعم.
ثمَّ أذن للْمولى خواجه زَاده أن يذهب إلى "أزنيق"، فَلم يلبث إلا قَلِيلا، حَتَّى مَاتَ السُّلْطَان مُحَمَّد خَان، وَجلسَ السُّلْطَان بايزيد خَان على سَرِير السلطنة، فَأعْطَاهُ سلطانية "بروسه"، وَعين لَهُ كل يَوْم مائَة دِرْهَم، ثمَّ أعطاه منصب الْفَتْوَى بِمَدِينَة "بروسه"، وَقد اخْتَلَّ رِجْلَاهُ وَيَده الْيُمْنَى، وَكَانَ يكْتب الْفَتْوَى بِالْيَدِ الْيُسْرَى، وَكَانَ لَا يكْتب الْفَتْوَى إلا بعد النّظر فِي الْفَتَاوَى، حَتَّى إِذا كررت عَلَيْهِ مسئلة وَاحِدَة كرر النّظر إليها، وَكَانَ يُعلل فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute