والسلطان لا يخرج عن حكمه، ولما قبض التاجر الثمن وسأله القاضي هل بقيت لك دعوى عليه، وقال: لا، عند ذلك قام القاضي من مجلسه، وسلّم على سلطانه على عادته فيه، ونكّس رأسه فيما يعتذر به، فقام السلطان من مجلسه مع الخصم، وأخذ بيد القاضي، وأجلسه في مجلس حكمه كما كان، وجلس إلى جنبه، وشكره على عدم مداهنته في الحق، حتى أنه قال: لو عدلت عن سيرتك هذه رعاية لي لانتصفت للعدالة منك، وأنزلتك منزلة أحاد الناس، لئلا يأتسي بك بعدك غيرك، فجزاك الله عني خيرا بوقوفك مع الحق، فمثلك يكون قاضيا، فأثنى عليه القاضي، وقال: ومثلك يكون سلطانا.
قال الآصفي: ومن برّه المستفيض لأهل الحرمين الشريفين: أنه نجر مركبا وشحنه بالقماش المثمن، وأرسله إلى بندر "الحجاز""جدّة"، وجعله وما فيه صلة لهم، وله بـ "مكة المشرفة" رباط يشتمل على مدرسة وسبيل وعمارة وغيرها، وعين وقفا يتجهّز محصوله إلى "مكة" في كلّ موسم للمدرسين بمدرسته والطلبة وسكنة الخلاوى وخدم السبيل، وما في معناه، ويتجهز سواه لأهل الحرمين، وكان ذلك مستمرا في أيامه.
ومن مآثرة الحسشة بالحرمين: مصحفان بخطّه المنسوب، كتبهما بقلم الثلث المحرّر بماء الذهب، وإمام الحنيفة مخصوص بالقراءة فيهما، وربعتان، وأيضا بخطّه كذلك، وللمصحفين والربعتين وقف مخصوص، يتجهز كلّ عام إلى الحرمين الشريفين لقارئ المصحف، وقراء الأجزاء، وشيخ الربعة، ومفرقها، والحافظ لها، والداعي له عند الختم والسقاء في الوقت والنقيب والفراش.
وقد رأيت ذلك، وكان مستمرا إلى شهادة السلطان محمود.
ومن نوادر أفعاله: أنه لما تغلب مندلي رأي على بلاد "مالوه" ضيق على المسلمين، وخرج محمود شاه الخلجي صاحب "مالوه" من بلاده، هاربا