تَوَابِع "قسطنطينية"، يُقَال لَهُ: بشك طاش. ويحكى فِي سَبَب اخْتِيَاره تِلْكَ الْبقْعَة أنه وَقعت لَهُ فِي أثناء الْمَجِيء من طرابوزن وَاقعَة هائلة، ملخصها: أنه أتى إليه فِي مَنَامه شخص وعاتبه على مَجِيئه ودخوله فِي "قسطنطينية"، وأشار إلى الْخُرُوج مِنْهَا وخوفه فَلَمَّا أصبح وفكر وَتَأمل وتفكر لم يجد بدا من تَركهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَامَ من وقته، وتتبع نواحي "قسطنطينية"، حَتَّى أشرف على تِلْكَ الْبِقَاع، فإذا المجذوب قَاعد عِنْد بِئْر فَلَمَّا رأى المرحوم ناداه بِأَن هَات درهما وَاحِدًا، حَتَّى أبيع لَك هَذِه الديار، وأشار إلى تِلْكَ الخوالي والرياض، فَلَمَّا سَمِعه دفع إليه مَا طلبه، فَقَالَ المجذوب خُذ مبيعك، وأشار ثَانِيًا إلى تِلْكَ الأطراف، فتتبع المرحوم أصحاب تِلْكَ الْبِقَاع، حَتَّى أشرف على تِلْكَ الْبقْعَة، فاشتراها فِي يَوْمه ذَلِك، وَبَات بها لَيْلَة، ثمَّ استوطنها، وَعمر أطرافها، وَبنى فِيهَا عدَّة مدارس ومسجدا وخانقاه وحماما، ومقاما سَمَّاهُ بخضراق بِنَاء على أنه يعْتَقد أن ذَلِك هُوَ مجمع الْبَحْرين، الَّذِي اجْتمع فِيهِ الْخضر بمُوسَى على نَبينَا وَعَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وَكَانَ سَببا لإحياء تِلْكَ النَّاحِيَة، وَاعْتَزل عَن النَّاس، واشتغل بِنَفسِهِ، فَحصل للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَقبُول تَامّ، وقصدوه بِالنذرِ والقرابين، وَاجْتمعَ فِيهِ من الْفُقَرَاء والمسافرين جمع كثير وجم غفير، حَتَّى وصل إلى أنه أنفق عَلَيْهِم كل يَوْم من الخْبز مَا قِيمَته تنيف على مائة دِرْهَم، سوى مَا يصرفهُ فِي سَائِر الْحَوَائِج والأطعمة.
وَكَانَ يَقع مِنْهُ ذَلِك ووظيفته كلّ يَوْم سِتُّونَ درهمًا، فَلذَلِك نسبه بَعضهم إلى معرفَة علم الْكَاف، وَبَعْضهمْ إلى علم الدفائن.
وَكَانَ يتَرَدَّد إليه أرباب الْحَاجَات من كل حدب يطْلبُونَ مِنْهُ الشَّفَاعَة إلى الوزراء وَسَائِر الْحُكَّام، وَهُوَ لَا يضن بِشَيْءٍ، ويبذل مقدوره