يذهب ماء وجهك، ولا تحتشم أحدا عند ذكر الحق، وإن كان سلطانا، ولا ترض لنفسك من العبادات، إلا بأكثر مما يفعله غيرك، ويتعاطاها، فإن العامة إذا لم يروا منك الإقبال عليها بأكثر مما يفعلونها اعتقدوا فيك السوء، وقلة الرغبة فيها، واعتقدوا أن علمك لا ينفعك إلا ما نفعهم الجهل الذي هم فيه، وإذا دخلت بلدة فيها أهل العلم فلا تتخذها لنفسك، بل كن كواحد من أهلها، ليعلموا أنك لا تقصد جاههم، وإلا يخرجون عليك بأجمعهم، ويطعنون في مذهبك، والعامة يخرجون عليك، وينظرون إليك بأعينهم، فتصير مطعونا عندهم بلا فائدة، ولا تفت إن استفتوك في المسائل، ولا تناقشهم في المناظرات والمطارحات، ولا تذكر لهم شيئا إلا عن دليل واضح، ولا تطعن في أساتذتهم، فإنهم يطعنون فيك، وكن من الناس على حذر، وكن لله تعالى في سرّك، كما أنت له في علانيتك، ولا يصلح أمر العالم إلا بأن يجعل سرّه كعلانيته، وإذا ولاك السلطان عملا مما يصلح لك فلا تقبل ذلك منه، إلا بعد أن تعلم أنك لو لم تقبل قبله غيرك، ويتضرّر به الناس، وبعد أن تعلم أنه إنما يوليك ذلك لعلمك.
وإياك أن تتكلّم في مجلس النظر على خوف أو وجل، فإن ذلك مما يورث الخلل في الألفاظ واللكن في اللسان.
وإياك أن تكثر الضحك، فإنه يميت القلب، ولا تكثر محادثة النساء، ومجالستهم، فإنه يميت القلت أيضا، ولا تمش إلا على الطمأنينة والسكون، ولا تكن عجولا في الأمور، ومن دعاك من خلفك، فلا تجبه، فإن البهائم تنادي من خلف، وإذا تكلّمت فلا تكثر صياحك، ولا ترفع صوتك، واتخذ لنفسك السكون وقلة الحركة عادة، كي يتحقق عند الناس ثباتك، وأكثر ذكر الله تعالى فيما بين الناس، ليتعلّموا ذلك منك، واتخذ