لكنّهم يقلّدونه في قواعد الأصول، ما الذي يريد من الأصول، فإن أراد منه الأحكام الإجمالية التي يبحث عنها في كتب أصول الفقه، فهي قواعد عقلية، وضوابط برهانية، يعرفها المرء من حيث إنه ذو عقل وصاحب فكر ونظر، سواء كان مجتهدا أو غير مجتهد، ولا تعلق لها بالاجتهاد قط، وشأن الأئمة الثلاثة أرفع وأجلّ من أن لا يعرفوها، كما هو اللازم من تقليد غيرهم فيها، فحاشاهم، ثم حاشاهم عن هذه النقيصة، وحالهم في الفقه إن لم يكن أرفع من مالك والشافعي وأمثالهما، فليسوا بدونهما، وقد اشتهر في أفواه الموافق والمخالف، وجرى مجرى الأمثال قولهم: أبو حنيفة أبو يوسف بمعنى أن البالغ إلى الدرجة القصوى في الفقاهة هو أبو يوسف، ليس إلا وقولهم: أبو يوسف أبو حنيفة بمعني أن أبا يوسف بلغ الدرجة القصوى من الفقاهة، ولم يقصر عنها، والقصر على كلا التقديرين إفرادي.
وقال الخطيب البغدادي: قال طلحة بن محمد بن جعفر أبو يوسف مشهور الأمر، ظاهر الفضل، وأفقه أهل عصره، ولم يتقدّمه أحد في زمانه، وكان على النهاية في العلم والحكم والرياسة والقدر، وهو أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة، وأملى المسائل، ونشرها، وبثّ علم أبي حنيفة في أقطار الأرض، وقال محمد بن الحسن: مرض أبو يوسف، وخيف عليه، فعاده أبو حنيفة، فلمّا خرج من عنده، قال: إن يمت هذا الفتى فإنه أعلم من على الأرض، وكذلك محمد بن الحسن قد بالغ الشافعي في مدحه والثناء عليه، وقال الربيع بن سليمان: كتب إليه الشافعي، وقد طلب منه كتبا فأخّره، فكتب إليه: