فأنفذ إليه الكتب، وقال إبراهيم الحربي: قلت لأحمد بن حنبل: من أين لك هذه المسائل الدقيقة؟ قال: من كتب محمد بن الحسن، وقال الحسن بن أبي مالك: لم يكن أبو يوسف يدقّقها التدقيق الشديد، قال عيسى بن أبان: هو أفقه من أبي يوسف. قد قال عبد الرحمن بن خلّدون المالكي في "مقدمته": إن الشافعي رحل إلى "العراق"، ولقي أصحاب الإمام أبي حنيفة، وأخذ عنهم، ومزج طريقة أهل "الحجاز" بطريقة أهل "العراق"، واختصّ بمذهب. وكذلك أحمد بن حنبل أخذ عن أصحاب أبي حنيفة مع وفور بضاعته في الحديث واختص بمذهب. اهـ.
ألا ترى أنه لما ادعى بعض الشافعية ترجّح القول بمفهوم الصفة على القول بنفيه عنهم بكون الشافعي قائلا به مع سلامة طبعه واستقامة فهمه وغزارة علمه وصحة النقل عنه لكثرة أتباعه، ردّه ابن الهمام وآخرون، بأن هذه الكمالات كلّها متحقّقة في محمد بن الحسن مع تقدّم زمانه، وعلوّ شأنه، وهو قائل بنفيه (١).
وأما زفر، فقد قال فيه أبو حنيفة: رحمه الله هذا إمام من أئمة المسلمين، وإنه أقيس أصحابي، وقال المزني: هو أحدّهم قياسا، وكفى بذلك شهادة له، ولكلّ واحد منهم أصول مختصّة به، تفرّدوا بها عن أبي حنيفة، وخالفوه فيها، ومن ذلك أن الأصل في تخفيف النجاسة تعارض الأدلة عند
(١) بل في البرهان للجويني وقفة في الاحتجاج بلغة الشافعي في حين أن كون محمد بن الحسن حجة في اللغة مما اعترفوا، حتى أن ابن تيمية معترف بذلك، ومفهوم الصفة أمر لغوي (ز).